[ إن بعض الظن إثم ] أي إن في بعض الظن إثم وذنب، يستحق صاحبه العقوبة عليه، قال عمر رضي الله عنه :" لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا، ولا تعتقدن بها شرا، وأنت تجد لها في الخير حملا "
[ ولا تجسسوا ] أي لا تبحثوا عن عورات المسلمين، ولا تتبعوا معايبهم (( وفي الحديث :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته " أخرجه أبو داود وأحمد في المسند )).
[ ولا يغتب بعضكم بعضا ] أي لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء في غيبته بما يكرهه
[ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ] تمثيل لشناعة الغيبة وقبحها بما لا مزيد عليه من التقبيح أي هل يحب الواحد منكم، أن يأكل لحم أخيه المسلم وهو ميت ؟
[ فكرهتموه ] أي فكما تكرهون هذا طبعا، فاكرهوا الغيبة شرعا، فإن عقوبتها أشد من هذا.. شبئه تعالى الغيبة بأكل لحم الأخ حال كونه ميتا، ثم إذا كان الإنسان يكره لحم الإنسان - فضلا عن كونه أخا، وفضلا عن كونه ميتا - وجب عليه أن يكره الغيبة بمثل هذه الكراهة أو أشد
[ واتقوا الله ] أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه
[ إن الله تواب رحيم ] أي إنه تعالى كثير التوبة، عظيم الرحمة، لمن اتقى الله وتاب وأناب، وفي الآية حث على التوبة، وترغي بالمسارعة إلى الندم، والاعتراف بالخطأ لئلا يقنط الإنسان من رحمة الله تعالى.
قال الله تعالى :[ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى.. ] إلى قوله [ والله بصير بما تعملون ]. من آية (١٣ ) إلى آية (١٨ ) نهاية السورة آلكريمة.
المناسبه :
لما دعا تعالى إلى مكارم الأخلاق ونهى عن مساوئها، وحذر المؤمنين من بعض الأفعال القبيحة، دعا الناس هنا جميعا للتعارف والتآلف، ونهاهم عن التفاخر بالأنساب، ثم بين صفات المؤمن الكامل الذي يحبه الله تعالى.
اللغة :
[ يلتكم ] ينقصكم
[ قبائل ] جمع قبيلة وهي الجماعة التي يربطها حسب أو نسب، وهي أخص من الشعب، لأن الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد، فالشعب يجمع القبيلة، والقبيلة تجمع البطون والأفخاذ
[ يرتابوا ] يشكوا والريب : الشك
[ يمنون ] المن : الإمتنان على الشخص والاعتداد عليه بفعل المعروف، وأصله في اللغة القطع ومنه قوله تعالى [ فلهم أجر غير ممنون ].
سبب النزول :
عن ابن عباس قال : جاءت بنو أسد إلى رسول الله (ص)، فقالوا يا رسول الله : أسلمنا، وقاتلتك العرب ولم نقاتلك، واخذوا يمنون عليه فنزلت الآية الكريمة [ يمنون عليك أن أسلموا.. ] الآية.
التفسير :
[ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ] الخطاب لجميع البشر أي نحن بقدرتنا خلقناكم من أصل! واحد، وأوجدناكم من أب وأم، فلا تفاخر بالآباء والأجداد، ولا اعتداد بالحسب والنسب، كلكم لآدم وآدم من تراب
[ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ] أي وجعلناكم شعوبا شتى وقبائل متعددة، ليحصل بينكم التعارف والتآلف، لا التناحر والتخالف، قال مجاهد : ليعرف الإنسان نسبه فيقال فلان بن فلان من قبيلة كذا، وأصل تعارفوا تتعارفوا حذفت إحدى التاءين تخفيفا، قال شيخ زاده : والمعنى إن الحكمة التى من أجلها جعلكم على شعوب وقبائل ؟ هي أن يعرف بعضكم نسب بعض ولا ينسبه إلى غير آبائه، لا أن تتفاخر بالآباء والأجداد، والنسب وإن كان يعتبر عرفا وشرعا، حتى لا تزوج الشريفة بالنبطي، إلا إنه لا عبرة به عند ظهور ما هو أعظم قدرا منه وأعز، وهو (الإيمان والتقوى)، كما لا تظهر الكواكب عند طلوع الشمس