[ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ] أي إنما يتفاضل الناس بالتقوى لا بالأحساب والأنساب، فمن أراد شرفا في الدنيا ومنزلة في الاخرة، فليتق الله تعالى كما قال (ص) :(من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله ) وفي الحديث :" الناس رجلان : رجل بر تقى كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى
[ إن الله عليم خبير ] أي عليم بالعباد، مطلع على ظواهرهم وبواطنهم، يعلم التقي والشقي، والصالح والطالح [ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ].
[ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ] أي زعم الأعراب أنهم آمنوا قل لهم يا محمد : إنكم لم تؤمنوا بعد، لأن الإيمان تصديق مع ثقة واطمئنان قلب، ولم يحصل لكم، وإلا لما مننتم على الرسول بالإسلام، وترك المقاتلة، ولكن قولوا : استسلمنا خوف القتل والسبي، قال المفسرون : نزلت في نفر من بني أسد، قدموا المدينة في سنة مجدبة، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله (ص) أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وفلان، يريدون الصدقة، ويمتون على الرسول، وقد دلت الآية على أن الإيمان مرتبة أعلى من الإسلام، الذي هو الاستسلام والانقباد بالظاهر، ولهذا قال تعالى :
[ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ] أي ولم يدخل الإيمان إلى قلوبكم، ولم تصلوا إلى حقيقته بعد، ولفظة " لما " تفيد التوقع، كأنه يقول : وسيحصل لكم الإيمان عند اطلاعكم على محاسن الإسلام، وتذوقكم لحلاوة الإيمان، قال ابن كثير : وهؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسوا منافقين، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه، فأدبوا في ذلك، ولو كانوا منافقين - كما ذهب إليه البخاري - لعنفوا وفضحوا
[ وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ] أي وإن أطعتم الله ورسوله بالإخلاص الصادق، والإيمان الكامل، وعدم المن على الرسول (ص)، لا ينقصكم من أجوركم شيئا
[ إن الله غفور رحيم ] أي عظيم المغفرة، واسع الرحمة، لأن صيغة " فعول " و " فعيل " تفيد المبالغة.. ثم ذكر تعالى صفات المؤمنين الكمل، الصادقين في إيمانهم، فقال سبحانه :
[ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ] أي إنما المؤمنون الصادقون في دعوى الإيمان، الذين صدقوا الله ورسوله، فأقروا لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، عن يقين راسخ، وإيمان كامل
[ ثم لم يرتابوا ] أي ثم لم يشتهوآ ويتزلزلوا في إيمانهم، بل ثبتوا على التصديق واليقين
[ وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ] أي وبذلوا أموالهم ومهجهم في سبيل الله، وابتغاء رضوانه
[ أولئك هم الصادقون ] أي أولئك الذين صدقوا في ادعاء الإيمان.. وصف تعالى المؤمنين الكاملين بثلاثة أوصاف : الأول : التصديق الجازم بالله ورسوله الثاني : عدم الشك والارتياب الثالث : الجهاد بالمال والنفس، فمن جمع هذه الأوصاف فهو المؤمن الصادق
[ قل أتعلمون الله بدينكم ] الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي قل لهم يا محمد : أتخبرون الله بما في ضمائركم وقلوبكم ؟
[ والله يعلم ما في السموات وما في الأرض ] أي وهو جل وعلا، العليم بأحوال جميع العباد، لا تخفى عليه خافية لا في السموات ولا في الأرض
[ والله بكل شيء عليم ] أي واسع العلم رقيب على كل إنسان، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الكون
[ يمنون عليك أن أسلموا ] أي يعدون إسلامهم عليك يا محمد منة، يستوجبون عليها الحمد والثناء
[ قل لا تمنوا على إسلامكم ] أي قل لهم : لا تمتنو على باسلامكم، فإن نفع ذلك عائد عليكم