[ بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ] أي بل لله المنة العظمى عليكم، بالهداية للأيمان والتثبيت عليه، إن كنتم صادقين في دعوى الإيمان
[ أن الله يعلم غيب السموات والأرض ] أي يعلم ما غاب عن الأبصار في السموات والارض
[ والله بصير بما تعملون ] أي مطلع على أعمال العباد، لا تخفى عليه خافية.. كرر تعالى الإخبار بعلمه بجميع الكائنات، وإحاطته بجميع المخلوقات، ليدل على سعة علمه، وشموله لكل صغيرة وكبيرة، في السر والعلن، والظاهر والباطن.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستعارة التمثيلية [ لا تفدموا بين يدى الله ورسوله ] شبه حالهم في إبداء الرأي، وقطع الأمر في حضرة الرسول (ص)، بحال ملك عظيم تقدم للسير أمأمه بعض الناس، فأصبحوا كأنهم القادة والسادة، وكان الأدب يقضي ان يسيروا خلفه لا أمامه، وهذا بطريق الاستعارة التمثيلية.
٢ - التشبيه المرسل المجمل [ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ] لوجود أداة التشبيه.
٣ - الالتفات من الخطاب إلى الغيبة [ أولئك هم الراشدون ] بعد قوله :[ حبب إليكم الإيمان ] وهذا من المحسنات البديعية.
٤ - المقابلة بين [ حبب إليكم الإيمان وثبته في قلوبكم ] وبين [ وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيا ن ].
٥ - الطباق [ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ].
٦ - جناس الاشتقاق [ أقسطوا أن الله يحب المقسطين ].
٧-التشبيه التمثيلي [ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ] مثل للغيبة بمن يأكل لحم الميت، وفيه مبالغات عديدة لتصوير الاغتياب بأقبح الصور وأفحشها في الذهن.
٨-طباق السلب [ آمنا قل لم تؤمنوا ].
٩ - الاستفهام الإنكاري للتوبيخ [ أتعلمون الله بدينكم ] ؟.
١٠ - التشبيه البليغ [ إنما المؤمنون إخوة ] أصل الكلام : المؤمنون كأخوة في وجوب التراحم والتناصر، فحذف وجه الشبه وأداة التشبيه فأصبح بليغا مع افادة الجملة الحصر.
تنبيه :
سورة الحجرات تسمى سورة (الأخلاق والآداب ) فقد أرشدت إلى مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، وجاء فيها النداء بوصف الإيمان خمس مرات، وفي كل مرة إرشاد إلى مكرمة من المكارم، وفضيلة من الفضائل، وهذه الآداب الرفيعة نستعرضها في فقرات :
أولا : وجوب الطاعة والانقياد لأوامر الله ورسوله، وعدم التقدم عليه بقول أو رأي [ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ].
ثانيا : احترام الرسول وتعظيم شأنه [ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى.. ].
ثالثا : وجوب التثبت من الأخبار [ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. ].
رابعا : النهي عن السخرية بالناس [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم.. ].
خامسا : النهى عن التجسس والغيبة وسوء الظن [ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن.. ] الآية.
لطيفة :
سئل بعض العلماء عما وقع بين الصحابة من قتل وقتال، فقال :(تلك دماء قد طهر الله منها أيدينا، فلا نلوث بها ألسنتنا، وسبيل ما جرى بينهم. كسبيل ما جرى بين يوسف وإخوته )، وهذا القول منسوب إلى الإمام (مالك ) رحمه الله، إمام دار الهجرة، على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم.