[ لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ] أي أنزله إليك لتنذر به قوما ما جاءهم رسول قبلك يا محمد، قال المفسرون : هم أهل الفترة بين (عيسى) و(محمد) عليهما السلام، وقد جاء الرسل قبل ذلك كإبراهيم وهود وصالح، ولكن لما طالت الفترة على هؤلاء، أرسل الله إليهم محمد (ص) لينذرهم عذاب الله، ويقيم عليهم الحجة بذلك
[ لعلهم يهتدون ] أي كي يهتدوا إلى الحق، ويؤمنوا بالله العزيز الحميد.. ثم شرع تعالى في ذكر أدلة التوحيد، فقال سبحانه :
[ الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ] أى الله جل وعلا هو الذي خلق السموات فى ارتفاعها وإحكامها، والأرض في عجائبها وإبداعها، وما بينهما من المخلوقات في مقدار ستة أيام، قال الحسن : من أيام الدنيا ولو شاء لخلقها بلمح البصر، ولكن أراد أن يعلم عباده التأني في الأمور، قال القرطبي : عرفهم تعالى كمال قدرته ليسمعوا القرآن ويتأملوه، ومعنى [ خلق ] أبدع وأوجد بعد العدم، وبعد أن لم يكن شيئا
[ ثم استوى على العرش ] استواء يليق بجلاله، من غير تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل
[ ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع ] أي ليس لكم أيها الناس من غير الله، ناصر يمنعكم من عذابه، ولا شفيع يشفع لكم عنده إلا بإذنه، بل هو الذي يتولى مصالحكم ويدبر أموركم
[ أفلا تتدكرون ] ؟ أي أفلا تتدبرون هذا فتؤمنون ؟
[ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ] أي يدبر أمر الخلائق جميعا، في العالم العلوي والسفلي، لا يهمل شأن أحد، قال ابن عباس : أي ينزل القضاء والقدر، من السماء إلى الأرض، وينزل ما دبره وقضاه
[ ثم يعرج إليه ] أي ثم يصعد إليه ذلك الأمر كله، يوم القيامة ليفصل فيه
[ في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ] أي في يوم عظيم - هو يوم القيامة - طوله كألف سنة من أيام الدنيا لشدة أهواله
[ ذلك عالم الغيب والشهادة ] أي ذلك المدبر لأمور الخلق، هو العالم بكل شيء، يعلم ما هو غائب عن المخلوقين، وما هو مشاهد لهم، قال القرطبى : وفي الآية معنى التهديد والوعيد، كأنه يقول : أخلصوا أعمالكم وأقوالكم، فإني مجازيكم عليها، ومعنى (الغيب والشهادة) ما غاب عن الخلق وما حضرهم
[ العزيز الرحيم ] أي الغالب على أمره، الرحيم بعباده، في تدبيره لشئونهم
[ الذي أحسن كل شيء خلقه ] أي أتقن وأحكم كل شيء أوجده وخلقه، قال أبو حيان : وهذا أبلغ في الإمتنان، ومعناه : أنه وضع كل شيء في موضعه، ولهذا قال ابن عباس : ليست القردة بحسنة، ولكنها متقنة محكمة قال بعض العلماء : لو تصورت مثلا أن للفيل مثل رأس الجمل، وأن للأرنب مثل رأس الأسد، وأن للإنسان مثل رأس الحمار، لوجدت في ذلك نقصا كبيرا، وعدم تناسب وانسجام، ولكنك إذا علمت أن طول عنق الجمل، وشق شفته، إنما كان ليسهل تناوله الكلأ أثناء السير، وأن الفيل لولا خرطومه الطويل، لما استطاع أن يجلس بجسمه الكبير، لتناول طعامه وشرابه، لو علمت كل هذا، لتيقنت أنه صنع الله، الذي أتقن كل شيء، ولقلت : تبارك الله أحسن الخالقين !
[ وبدأ خلق الإنسان من طين ] أي خلق أبا البشر آدم من طين
[ ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ] أي جعل ذريته يتناسلون من خلاصة من ماء ضعيف حقير هو المنى
[ ثم سواه ونفخ فيه من روحه ] أي قوم أعضاءه، وعدل خلقته في رحم أمه، ونفخ بعد ذلك فيه الروح، فإذا هو في أكمل صورة وأحسن تقويم، قال أبو السعود : وأضاف الروح إليه تعالى تشريفا للإنسان، وإيذانا بأنه خلق عجيب، وصنع بديع، وأن له مكانة جليلة مناسبة إلى حضرة الربوبية
[ وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ] أي وخلق لكم هذه الحواس : السمع لتسمعوا به الأصوات، والبصر لتبصروا به الأشخاص، والعقل لتدركوا به الحق والهدى