[ قليلا ما تشكرون ] أي قليلا شكركم لربكم و[ ما ] لتأكيد القلة
[ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ] أي وقال كفار مكة المنكرون للبعث والنشور : أئذا هلكنا وصارت عظامنا ولحومنا ترابا مختلطا بتراب الأرض، حتى غابت فيه ولم تتميز عنه
[ أئنا لفي خلق جديد ] أي سوف نخلق بعد ذلك خلقا جديدا، ونعود إلى الحياة مرة ثانية ؟ وهو استبعاد للبعث مع الاستهزاء، ولهذا قال تعالى :
[ بل هم بلقاء ربهم كافرون ] أي بل هناك أبلغ وأشنع من الاستهزاء، وهو كفرهم وجحودهم بلقاء الله في دار الجزاء
[ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ] أي قل لهم ردا على مزاعمهم الباطلة : يتوفاكم ملك الموت، الذي وكل بقبض أرواحكم هو وأعوانه
[ ثم إلى ربكم ترجعون ] أي ثم مرجعكم إلى الله يوم القيامة، للحساب والجزاء، قال ابن كثير : والظاهر أن ملك الموت شخص معين، وقد سمي في بعض الاثار ب " عزرائيل " وهو المشهور، وله أعوان - كما ورد في الحديث - ينتزعون الأرواح من سائر الجسد، حتى إذا بلغت الحلقوم، تناولها ملك الموت وقال مجاهد : جمعت له الأرض فجعلت مثل الطست - أي الإناء - يتناول منها حيث يشاء.. ثم أخبر تعالى بحال المجرمين يوم القيامة، وما هم فيه من الذل والهوان، فقال سبحانه :
[ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ] أي ولو ترى أيها المخاطب حال المجرمين يوم القيامة، وهم مطرقو رءوسهم أمام ربهم من الخجل والحياء، لرأيت العجب العجاب، قال أبو السعود : وجواب [ لو ] محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا، لا يقادر قدره، من هوله وفظاعته
[ ربنا أبصرنا وسمعنا ] أي يقولون ربنا أبصرنا حقيقة الأمر، وسمعنا ما كنا ننكر من أمر الرسل، وكنا عميا وصما
[ فأرجعنا نعمل صالحا ] أي فردنا إلى دار الدنيا لنعمل صالحا
[ إنا موقنون ] أي فنحن الآن مصدقون تصديقا جازما، وموقنون أن وعدك حق، ولقاءك حق، قال الطبرى : أي أيقنا الآن بوحدانيتك، وأنه لا يصلح أن يعبد سواك، ولا ينبغي أن يكون لنا رب سواك، وأنك تحيى وتميت وتفعل ما تشاء، قال تعالى ردا عليهم :
[ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ] أي لو أردنا هداية جميع الخلق لفعلنا، ولكن ذلك ينافي حكمتنا، لأنا نريد منهم الإيمان، بطريق الاختيار، لا بطريق الإكراه والإجبار
[ ولكن حق القول مني ] أي ولكن ثبت ووجب قولي بعذاب المجرمين، وتقرر وعيدي
[ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ] أي لأملأن جهنم بالعصاة المجرمين من الجن والإنس جميعا
[ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ] أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ : ذوقوا - بسبب نسيانكم الدار الآخرة وانهماككم في الشهوات - هذا العذاب المخزي الأليم
[ إنا نسيناكم ] أي نترككم اليوم في العذاب، كما تركتم العمل بآيالنا
[ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ] أي وذوقوا العذاب الدائم الخالد في جهنم، بسبب كفركم وتكذيبكم.. ثم لما ذكر حال الأشقياء وعاقبتهم الوخيمة، أتبعه بذكر حال السعداء، وما أعده لهم من النعيم المقيم في دار الجزاء، ليظل العبد بين الرهبة والرغبة، فقال سبحانه :
[ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ] أي إنما يصدق بآياتنا المؤمنون المتقون، الذين إذا وعظوا بآياتنا سقطوا على وجوههم، ساجدين لله تعظيما لآياته
[ وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ] أي وسبحوا ربهم على نعمائه، وهم لا يستكبرون عن طأعته وعبادته
[ تتجافى جنوبهم عن المضاجع ] أي تتنحى وتتباعد أطرافهم عن الفرش ومواضع النوم، والغرض أن نومهم بالليل قليل، لانقطاعهم للعبادة كقوله :[ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ] قال مجاهد : يعني بذلك قيام الليل


الصفحة التالية
Icon