[ كذلك الخروج ] أي كما أحييناها بعد موتها، كذلك نخرجكم أحياء بعد موتكم، قال ابن كثير : وهذه الأرض الميتة كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، من أزاهير وغير ذلك، مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها، فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت، فكما أحيا الله الأرض الميتة، كذلك يحي الله الموتى.. ثم ذكر تعالى كفار مكة، بما حل بمن سبقهم من المكذبين، إنذارا لهم وإعذارا فقال سبحانه :
[ كذبت قبلهم قوم نوح ] أي كذب قبل هؤلاء الكفار (قوم نوح )
[ وأصحاب الرس ] أي وأصحاب البئر وهم بقية من الطغاة الكفار، رسوا نبيهم فيها أي دسوه فيها
[ وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط ] سماهم إخوانه لأنه صاهرهم وتزوج منهم
[ وأصحاب الأيكة ] أي وأصحاب الشجر الكثير الملتف، وهم قوم شعيب، نسبوا إلى الأيكة، لأنهم كانوا في رفاهية، تحيط بهم البساتين والأشجار الكثيرة، الملتف بعضها على بعض
[ وقوم تبع ] قال المفسرون : هو ملك كان باليمن، أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه، وهو " تبع اليمانى "
[ كل كذب الرسل ] أي جميع هؤلاء المذكورين، كذبوا رسولهم، قال ابن كثير : وإنما جمع الرسل، لأن من كذب رسولا، فإنما كذب جميع الرسل، كقوله تعالى :[ كذبت قوم نوح المرسلين ]
[ فحق وعيد ] أي فوجب عليهم وعيدي وعقابي، والآية تسلية للنبى (ص) وتهديد للكفرة المجرمين
[ أفعيينا بالخلق الأول ] أي أعجزنا عن ابتداء الخلق، حتى نعجز عن إعادتهم بعد الموت ؟ قال القرطبي : وهو توبيخ لمنكري البعث، وجواب لقولهم ؟ [ ذلك رجع بعيد ] ومراده أن ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإعادة أسهل منه، فكيف توهم عجزنا عن البعث والإعادة ؟
[ بل هم في لبس من خلق جديد ] أي بل هم في خلط وشبهة وحيرة من البعث والنشور، قال الألوسي : وإنما نكر الخلق ووصف بجديد، ولم يقل : من الخلق الثاني، تنبيها على استبعادهم له، وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ عظيم.. ثم نبه تعالى على سعة علمه وكمال قدرته، فقال سبحانه :
[ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ] أي خلقنا جنس الإنسان ونعلم ما يجول في قلبه وخاطره، لا يخفى علينا شيء من خفاياه ونواياه
[ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ] أي ونحن أقرب إليه من حبل وريده، وهو عرق كبير في العنق متصل بالقلب، قال أبو حيان : ونحن أقرب إليه قرب علم، نعلم به وبأحواله لا يخفى علينا شيء من خفياته، فكأن ذاته تعالى قريبة منه، وهو تمثيل لفرط القرب كقول العرب : هو مني معقد الإزار وقال ابن كثير : المراد ملائكتنا أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، والحلول والاتحاد منفيان بالإجماع، تعالى الله وتقدس، وهذا كما قال في المحتضر :[ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ] يريد به الملائكة، ويدل عليه قوله بعده