[ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ] أي حين يتلقى الملكان الموكلان بالإنسان، ملك عن يمينه يكتب الحسنات، وملك عن شماله يكتب السيئات، وفي الكلام حذف تقديره : عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، قال مجاهد : وكل الله بالإنسان - مع علمه بأحواله - ملكين بالليل وملكين بالنهار، يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاما للحجة، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، فذلك قوله تعالى :[ عن اليمين وعن الشمال قعيد ] وقال الألوسي : والمراد أنه سبحانه أعلم بحال الإنسان من كل رقيب، حين يتلقى المتلقيان الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إيذان بأنه عز وجل غنى عن استحفاظ الملكين، فإنه تعالى أعلم منهما، ومطلع على ما يخفى عليهما، لكن الحكمة اقتضت كتابة الملكين لعرض صحائفهما يوم يقوم الأشهاد، فإذا علم العبد ذلك - مع علمه بإحاطة الله تعالى بعلمه - ازداد رغبة في الحسنات، وانتهاء عن السيئات
[ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب ] أي ما يتلفظ كلمة من خير أو شر، إلا وعنده ملك يرقب قوله ويكتبه
[ عتيد ] أي حاضر معه أينما كان، مهيأ لكتابة ما أمر به، قال ابن عباس : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر وقال الحسن : فإذا مات ابن آدم طويت صحيفته، وقيل له يوم القيامة [ اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ]
[ وجاءت سكرة الموت بالحق ] أي وجاءت غمرة الموت وشدته، التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله، بالأمر الحق من أهوال الآخرة، حتى يراها المنكر لها عيانا
[ ذلك ما كنت منه تحيد ] أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه، وتهرب منه وتفزع، وفي الحديث عن عائشة أن النبي (ص) لما تغشاه الموت، جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول :" سبحان الله إن للموت لسكرات "
[ ونفح في الصور ذلك يوم الوعيد ] أي ونفخ في الصور نفخة البعث، ذلك هو اليوم الذي وعد الله الكفار به العذاب
[ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ] أي وجاء كل إنسان، برا كان أو فاجرا، ومعه ملكان : أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله، قال ابن عباس : السائق من الملائكة، والشهيد من أنفسهم وهي (الأيدي ) و(الأرجل) [ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ] وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان، ملك يسوقه، وملك يشهد عليه
[ لقد كنت في غفلة من هذا ] أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة من هذا اليوم العصيب
[ فكشفنا عنك غطاءك ] أي فأزلنا عنك الحجاب، الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا
[ فبصرك اليوم حديد ] أي فبصرك اليوم قوي نافذ، ترى به ما كان محجوبا عنك، لزوال الموانع بالكلية.
قال الله تعالى :[ وقال قرينه هذا ما لدى عتيد.. ] إلى قوله [ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ]. من آية (٢٣) إلى آية (٤٥ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما حكى تعالى في الآيات السابقة، إنكار المشركين للبعث، وأقام الأدلة والبراهين على البعث وا لنشور، ذكر هنا الأهوال والشدائد التي يلقاها الكافر في الآخرة، والنعيم الذي أعده الله للمؤمنين الأبرار في الجنة، وختم السورة ا لكريمة ببيان دلائل البعث وأحواله وأطواره، وهو االمقصد ا لرئيسي للسورة ا لكريمة.
اللغة :
[ أزلفت ] قربت يقال : زلف يزلف أي قرب، أزلفه قربه
[ أواب ] رجاع إلى الله من آب يئوب أوبا إذا رجع
[ بطشا ] البطش : الأخذ بالشدة والعنف
[ نقبوا ] طوقوا وساروا، وأصل التنقيب : التنقير عن الشيء والبحث عنه، قال الشاعر : نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال
[ محيص ] مفر ومهرب، من حاص يحيص حيصا إذا أراد الهرب
[ لغوب ] تعب.
سبب النزول :