[ فالمقسمات أمرا ] أي وأقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق والأمطار بين العباد، وكل ملك مخصص بأمر، فجبريل صاحب الوحي إلى الأنبياء، و(ميكائيل) صاحب الرزق والرحمة، و(اسرافيل) صاحب الصور، و(عزرائيل) صاحب قبض الأرواح قال المفسرون : أقسم الله تعالى بهذه الأشياء لشرفها، ولما فيها من الدلالة على عجيب صنعه وقدرته، ثم ذكر جواب القسم، فقال سبحانه :
[ إنما توعدون لصادق ] أي إن الذي توعدونه من الثواب والعقاب، والحشر والنشر، لأمر صدق محقق، لا كذب فيه
[ وإن الدين لواقع ] أي وأن الجزاء لكائن لا محالة، ثم ذكر تعالى قسما آخر، فقال :
[ والسماء ذات الحبك ] أي وأقسم لكم بالسماء ذات الطرائق المحكمة، والبنيان المتقن، قال ابن عباس : ذات الخلق الحسن المستوى
[ إنكم لفي قول مختلف ] جواب القسم أي إنكم أيها الكفار لفي قول مضطرب في أمر محمد، فمنكم من يقول إنه ساحر، ومنكم من يقول إنه شاعر، وبعضكم يقول إنه مجنون، إلى غير ما هنالك من أقوال مختلفة
[ يؤفك عنه من أفك ] أي يصرف عن الإيمان بالقرآن وبمحمد (ص)، من صرف عن الهداية في علم الله تعالى، وحرم السعادة
[ قتل الخراصون ] أي لعن الكذابون الذين قالوا إن النبي (ص) ساحر، وكذاب، وشاعر، قال ابن الأنباري : والقتل إذا أخبر عن الله به، فهو بمعنى (اللعنة)، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك
[ الذين هم في غمرة ساهون ] أي الذين هم غافلون لاهون عن أمر الآخرة
[ يسألون أيان يوم الدين ] أي يقولون تكذيبا واستهزاء : متى يوم الحساب والجزاء ؟ قال تعالى ردا عليهم :
[ يوم هم على النار يفتنون ] أي هذا الجزاء كائن يوم يدخلون جهنم ويحرقون بها
[ ذوقوا فتنتكم ] أي تقول لهم خزنة النار : ذوقوا تعذيبكم وجزاءكم
[ هذا الذي كنتم به تستعجلون ] أي هذا الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاء.. ولما ذكر حال الكفار ذكر المؤمنين الأبرار، فقال سبحانه :
[ إن المتقين في جنات وعيون ] أي هم في بساتين فيها عيون جارية، تجري فيها على نهاية ما يتنزه به
[ آخذين ما أتاهم ربهم ] أي راضين بما أعطاهم ربهم من الكرامة والنعيم
[ إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ] أي كانوا في دار الدنيا محسنين قي الأعمال، ثم ذكر طرفا من إحسانهم، فقال سبحانه :
[ كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ] أي كانوا ينامون قليلا من الليل، ويصلون أكثره، قال الحسن : كابدوا قيام الليل، لا ينامون فيه إلا قليلا
[ وبالأسحار هم يستغفرون ] أي وفي أواخر الليل يستغفرون الله من تقصيرهم، فهم مع إحسانهم يعدون أنفسهم مذنبين، ولذلك يكثرون الاستغفار بالأسحار، قال ابو السعود : أي هم مع قلة نومهم، وكثرة تهجدهم، يداومون على الاستغفار بالأسحار، كأنهم أسلفوا ليلهم باقتراف الجرائم، وهو مدح ثانى للمحسنين
[ وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ] مدح ثالث أي وفي أموالهم نصيب معلوم، قد أوجبوه على أنفسهم، بمقتضى الكرم، للسائل المحتاج، وللمتعفف الذي لا يسأل لتعففه (( هذا هو المشهور عن ابن عباس أنه حق سوى الزكاة، يقري به ضيفا، ويصل به رحما، ويحمل به كلا، وقيل : انه الزكاة وهو قول قتادة وابن سيرين )).


الصفحة التالية
Icon