[ للذين يخافون العذاب الأليم ] أي للذين يخافون عذاب الله فإنهم المعتبرون به، قال ابن كثير : ومعنى الآية [ وتركنا فيها آية ] أي جعلناها عبرة بما أنزلنا بهم من العذاب والنكال، وجعلنا محلتهم بحيرة منتنة خبيثة، ففي ذلك عبرة للمؤمنين، الذين يخافون العذاب الأليم.
تنبيه :
قال الإمام الرازي : في قصة ضيف إبراهيم تسلية لقلب النبي الكريم (ص) ببيان أن غيره من الأنبياء عليهم السلام كان مثله، واختار تعالى إبراهيم لكونه شيخ المرسلين، وكون النبي (ص) على سنته في بعض الأشياء، وفيها إنذار لقومه بما جرى من ضيفه - الملائكة - ومن إنزال الحجارة على المذنبين المضلين.
قال الله تعالى :[ وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين.. ] إلى قوله :[ فويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون ]. من آية (٣٨) إلى آية ( ٦٠) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى قصة ضيف إبراهيم الذين ارسلوا لهلاك قوم لوط، أتبعه بذكر قصص الأمم الطاغية، فذكر منهم فرعون وجنوده، وعادا، وثمود، وقوم نوح، تسلية للنبي (ص)، وتذكيرا للأنام بانتقام الله من أعدائه وأعداء رسله، ثم ذكر دلائل القدرة والوحدانية، وختم السورة الكريمة بإنذار المكذبين الضالين.
اللغة :
[ نبذناهم ] طرحناهم
[ اليم ] البحر
[ مليم ] أتى بما يلام عليه
[ الرميم ] الشيء الهالك البالي، قال الزجاج : الرميم : الورق الجاف المتحطم مثل الهشيئم، ورم العظم إذا بلي فهو رفة ورميم، قال جرير يرثي ابنه : تركتني حين كف الدهر من بصري وإذ بقيت كعظم الرفة البالى
[ الماهدون ] مهدت الفراش مهدا بسطته ووطأته، والتمهيد تسوية الشيء وإصلاحه
[ ذنوبا ] الذنوب : بفتح الذال النصيب من العذاب.
التفسير :
[ وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون ] أي وجعلنا في قصة موسى أيضا آية وعبرة وقت إرسالنا له إلى فرعون
[ بسلطان مبين ] أي بحجة واضحة، ودليل باهر
[ فتولى بركنه ] أي فأعرض عن الإيمان بموسى، بجموعه وأجناده، وقوته وسلطانه، قال مجاهد : تعزز عدو الله بأصحابه (( ونقل ابن عباس أن المراد " بركنه " أي بقوته وسلطانه، وقد جمعنا بين القولين في التفسير )). والغرض أن فرعون أعرض عن الإيمان، بسبب ما كان يتقوى به من جنوده، لأنهم كانوا له كالركن الذي يعتمد عليه البنيان
[ وقال ساحر أو مجنون ] أي وقال اللعين في شأن موسى : إنه ساحر، ولذلك أتى بهذه الخوارق، أو مجنون ولذلك ادعى الرسالة، وإنما قال ذلك تمويها على قومه، لا شكا منه في صدق موسى (( لفظة " أو " للشك، وذهب بعض المفسرين إلى أنها بمعنى الواو أي ساحر ومجنون لأن اللعين قال الأمرين معا فقال :﴿إن هذا لساحر عليم ﴾ وقال :﴿ان رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون ﴾ وهو اختيار القرطبي، وقال الألوسي : لا ضرورة إلى ذلك التأويل لأن اللعين كان يتلون تلون الحرباء )).
[ فأخذناه وجنوده ] أي فأخذنا فرعون مع أصحابه وجنوده
[ فنبذناهم في اليم ] أي فطرحناهم في البحر، لما أغضبونا وكذبوا رسولنا
[ وهو مليم ] أي وهو آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان.. ثم لما انتهى من قصة فرعون أعقبها بذكر قصة عاد، فقال سبحانه :
[ وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ] أي وجعلنا في قصة عاد، كذلك آية لمن تأمل، حين أرسلنا عليهم الريح المدمرة، التي لا خير فيها ولا بركة، لأنها لا تحمل المطر، ولا تلقح الشجر، وإنما هي للإهلاك، وهي الريح التي تسمى الدبور، وفي الصحيح (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) قال المفسرون : سميت [ الريح العقيم ] تشبيها لها بعقم المرأة التي لا تحمل ولا تلد، ولما كانت هذه الريح، لا تلقح سحابا ولا شجرأ، ولا خير فيها ولا بركة، لأنها لا تحمل المطر، شبهت بالمرأة العقيم


الصفحة التالية
Icon