[ ما تذر من شيء أتت عليه ] أي ما تترك شيئا مرت عليه في طريقها، مما أراد الله تدميره وإهلاكه
[ إلا جعلته كالرميم ] أي إلا جعلته كالهشيم المتفتت البالي، قال ابن عباس :[ الرميم ] الشىء الهالك البالي، وقال السدي : هو التراب والرماد المدقوق كقوله تعالى :[ تدمر كل شيء بأمر ربها ] قال المفسرون : كانت الريح التي أرسلها الله عليهم ريحا صرصرا عاتية، استمرت عليهم ثمانية أيام متتابعة، فكانت تهدم البنيان، وتنتزع الرجال فترفعهم إلى السماء، حتى يرى الواحد منهم كالطير، ثم ترمي به إلى الأرض جثة هامدة [ كأنهم أعجاز نخل خاوية ].. ثم أخبر تعالى عن هلاك ثمود، فقال سبحانه :
[ وفي ثمود ] أي وجعلنا في ثمود أيضا آية وعبرة
[ إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ] أي حين قيل لهم : عيشوا متمتعين بالدنيا إلى وقت الهلاك، بعد عقرهم للناقة، وهو ثلاثة أيام كما في سورة هود [ قال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ]
[ فعتوا عن أمر ربهم ] أي فاستكبروا عن امتثال أمر الله، وعصوا رسولهم فعقروا الناقة
[ فأخذتهم الصاعقة ] أي فأخذتهم الصيحة المهلكة صيحة العذاب
[ وهم ينظرون ] أي وهم يشاهدونها ويعاينونها، لأنها جاءتهم في وضح النهار، قال ابن كثير : وذلك أنهم آنتظروا العذاب ثلاثة ايام، فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وقال الألوسي : إن صالحا عليه السلام وعدهم بالهلاك بعد ثلاثة أيام، وقال لهم : تصبح وجوهكم غدا مصفرة، وبعد غد محمرة، وفي اليوم الثالث مسودة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إلى قتله فنجاه الله، وفي اليوم الرابع أتتهم الصاعقة وهي نار من السماء، مع صوت شديد، فهلكوا
[ فما استطاعوا من قيام ] أي ما قدروا على الهرب والنهوض من شدة الصيحة، بل أصبحوا في ديارهم جاثمين
[ وما كانوا منتصرين ] أي وما كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع عنها العذاب.. ثم أخبر تعالى عن هلاك قوم نوح، فقال سبحانه :
[ وقوم نوح من قبل ] أي وأهلكنا قوم نوح بالطوفان، من قبل إهلاك هؤلاء المذكورين
[ إنهم كانوا قوما فاسقين ] تعليل للهلاك أي لأنهم كانوا فسقة خارجين عن طاعة الرحمن، بارتكابهم الكفر والعصيان.. ولما انتهى من أخبار هلاك الأمم الطاغية المكذبة، شرع في بيان دلائل القدرة والوحدانية، فقال سبحانه :
[ والسماء بنيناها بأيد ] أي وشيدنا السماء وأحكمنا خلقها بقوة وقدرة، قال ابن عباس :[ بأيد ] بقوة
[ وإنا لموسعون ] أي وإنا لموسعون في خلق السماء، فإن الأرض وما يحيط بها من الهواء والماء، بالنسبة لها كحلقة صغيرة في قلاة كما ورد في بعض الأحاديث وقال ابن عباس :[ لموسعون ] أي لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة (( انظر إلى عظمة الكون بعين البصيرة والعقل، لترى عظمة الخالق الكبير المتعال، فان هذه الأرض التي نعيش فوق سطحها، ما هي الا ذرة أو نقطة تسبح في هذا الكون الفسيح، الذي لا يعلم سعته وعظمته إلا الله رب العالمين، منشىء الأكوان وخالق الانسان، وتمعن وأنت تقرأ هذه الآية الكريمة ﴿وإنا لموسعون ﴾ عظمة الكون لتسبح الله مع المسبحين، بقلبك ولسانك )).
[ والأرض فرشناها ] أي والأرض مهدناها لتستقروا عليها، وبسطناها لكم ومددنا فيها، لتنتفعوا بها بالطرقات، وأنواع المزروعات، ولا ينافي ذلك كرويتها، فذلك أمر مقطوع به، فإنها مع كرويتها واسعة ممتدة، فيها السهول الفسيحة، والبقاع الواسعة، مع الجبال والهضاب، ولهذا قال تعالى :
[ فنعم الماهدون ] أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن، وصيغة الجمع للتعظيم


الصفحة التالية
Icon