[ ومن كل شيء خلقنا زوجين ] أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين، ذكرا وأنثى، وحلوا وحامضا ونحو ذلك (( هذا قول ابن زيد، وقال مجاهد : يعنى به المتقابلات كالذكر والأنثى، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والنور والظلام، والخير والشر وأمثال ذلك، كذا في القرطبي، وهو اختيار الطبري لأنه أدل على العظمة والقدرة )).
[ لعلكم تذكرون ] أي كي تتذكروا عظمة الله فتؤمنوا به، وتعلموا أن خالق الأزواج واحد أحد
[ ففروا الى الله ] أي الجأوا إلى الله، واهرعوا إلى توحيده وطاعته، قال ابو حيان : والأمر بالفرار إلى الله، أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الرحمن، وإنما ذكر بلفظ الفرار، لينبه على أن وراء الناس عقابا وعذابا، وأمر حقه أن يفر منه، فقد جمعت اللفظة بين التحذير والاستدعاء، ومثله قول النبي (ص) ألا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك وقال ابن الجوزي : المعنى اهربوا مما يوجب العقاب، من الكفر والعصيان، إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإيمان
[ إني لكم منه نذير ] أي إني أنذركم عذاب الله وأخوفكم انتقامه
[ مبين ] أى واضح أمري فقد أيدني الله بالمعجزات الباهرات
[ ولا تجعلوا مع الله إلها أخر ] أي لا تشركوا مع الله أحدا من بشر أو حجر
[ إنى لكم منه نذير مبين ] كرر اللفظ للتأكيد والتنبيه إلى خطر الإشراك بالله، قال الخازن : وإنما كرر اللفظ عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك، ليعلم إن الايمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز وينجو عند الله إلا الجامع بينهما
[ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ] هذه تسلية للنبي (ص)، أي كما كذبك قومك يا محمد، وقالوا عنك إنك ساحر ومجنون، كذلك قال المكذبون الأولون لرسلهم، فلا تحزن لما يقوله المجرمون
[ أتواصوا به ] أي هل أوصى أولهم أخرهم بالتكذيب ؟ وهو استفهام للتعجب، من إجماعهم على تلك الكلمة الشنيعة، ثم أضرب عن هذا النفي والتوبيخ فقال :
[ بل هم قوم طاغون ] أي لم يوص بعضهم بعضا بذلك، بل حملهم الطغيان على التكذيب والعصيان، فلذلك قالوا ما قالوا
[ فتول عنهم ] أي فأعرض يا محمد عنهم
[ فما أنت بملوم ] أي فلا لوم عليك ولا عتاب، لأنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، وبذلت الجهد في النصح والإرشاد
[ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] أي لا تترك التذكير والموعظة، فإن القلوب المؤمنة، تنتفع وتتأثر بالموعظة الحسنة.. ثم ذكر تعالى الغاية من خلق الخلق فقال سبحانه :
[ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ] أي وما خلقت الثقلين الإنس والجن إلا لعبادتي وتوحيدي، لا لطلب الدنيا والانهماك بها، قال ابن عباس :[ إلا ليعبدون ] إلا ليقروا لي بالعبادة، طوعا أو كرها، وقال مجاهد : إلا ليعرفوني قال الرازي : لما بين تعالى حال المكذبين، ذكر هذه الآية ليبين سوء صنيعهم، حيث تركوا عبادة الله، مع أن خلقهم لم يكن إلا للعبادة
[ ما أريد منهم من رزق ] أي لا أريد منهم أن يرزقوني، أو يرزقوا أنفسهم، أو غيرهم بل أنا الرزاق المعطي للعباد
[ وما أريد أن يطعمون ] أي ولا أريد منهم أن يطعموا خلقي، ولا أن يطعموني، فأنا الغني لحميد، قال البيضاوي : والمراد أن يبين أن شأنه تعالى مع عباده، ليس كشأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم، ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، فكأنه سبحانه يقول : ما أريد أن أستعين بهم، كما يستعين السادة بعبيدهم، فليشتغلوا بما خلقوا له من عبادتي


الصفحة التالية
Icon