[ منشور ] أي مبسوط غير مطوي وغير مختوم عليه، قال القرطبى : أقسم الله تعالى بالطور - وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى - تشريفا له وتكريما، وتذكيرا لما فيه من الآيات، وأقسم بالكتاب المسطور أي المكتوب وهو القرآن يقرأه المؤمنون من المصاحف، ويقرأه الملائكة من اللوح المحفوظ، وقيل : يعنى بالكتاب سائر الكتب المنزلة على الأنبياء، لأن كل كتاب في رق ينشره أهله لقراءته، والرق ما رقق من الجلد ليكتب فيه
[ والبيت المعمور ] أي وأقسم بالبيت المعمور الذي تطوف به الملائكة الأبرار، وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض، وفي حديث الإسراء :(ثم رفع إلى البيت المعمور، فقلت يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم )وقال ابن عباس : وهو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة " أي مقابلها وحذاءها - تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه
[ والسقف المرفوع ] أي والسماء العالية المرتفعة، الواقفة بقدرة الله بلا عمد، سمى السماء سقفا لأنها للأرض كالسقف للبيت، ودليله قوله تعالى :[ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ] وقال ابن عباس : هو العرش وهو سقف الجنة
[ والبحر المسجور ] أي والبحر المسجور الموقد نارا يوم القيامة كقوله :[ وإذا البحار سجرت ] أي أضرمت حتى صارت نارا ملتهبة تتأجج، تحيط بأهل الموقف
[ إن عذاب ربك لواقع ] هذا جواب القسم أي إن عذاب الله لنازل بالكافرين لا محالة، قال ابن الجوزي : أقسم تعالى بهذه الأشياء الخمسة، للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته، على أن عذاب المشركين حق
[ ما له من دافع ] أي ليس له دافع يدفعه عنهم، قال أبو حيان : والواو الأولى للقسم وما بعدها للعطف، والجملة المقسم عليها هي [ إن عذاب ربك لواقع ] وفي إضافة العذاب للرب لطيفة إذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد، فإضافته إلى الرب وإضافته لكاف الخطاب أمان له (ص) وأن العذاب واقع بمن كذبه، ولفظ واقع أشد من كائن، كأنه مهيأ في مكان مرتفع، فيقع على من حل به
[ يوم تمور السماء مورا ] أي تتحرك السماء وتضطرب اضطرابا شديدا من هول ذلك اليوم
[ وتسير الجبال سيرا ] أي تنسف نسفا عن وجه الأرض فتكون هباء منثورا كقوله :[ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا ] قال الخازن : والحكمة في مور السماء وسير الجبال، الإنذار والإعلام بأن لا رجوع ولا عود إلى الدنيا، وذلك لأن الأرض والسماء وما بينهما من الجبال والبحار وغير ذلك، إنما خلقت لعمارة الدنيا وانتفاع بني آدم بذلك، فلما لم يبق لهم عود إليها أزالها الله تعالى، وذلك لخراب الدنيا وعمارة الآخرة
[ فويل يومئذ للمكذبين ] أي هلاك ودمار وشدة عذاب للمكذبين في ذلك اليوم الرهيب
[ الذين هم في خوض يلعبون ] أي الذين هم في الدنيا يخوضون في الباطل، غافلون ساهون عما يراد بهم
[ يوم يدعون إلي نار جهنم دعا ] آي يوم يدفعون إلى نار جهنم دفعا بشدة وعنف، قال في البحر : وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ويدفعون بهم دفعا إلى النار على وجوههم، وزجا في أقفيتهم حتى يردوا إلى النار، فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها :
[ هذه النار التي كنتم بها تكذبون ] أي هذه نار جهنم التي كنتم تهزءون وتكذبون بها في الدنيا


الصفحة التالية
Icon