[ أفتمارونه على ما يرى ] ؟ أي أفتجادلونه يا معشر المشركين على ما رأى ليلة الإسراء والمعراج ؟ قال في البحر : كانت قريش حين أخبرهم (ص) بأمره فى الإسراء، كذبوا واستخفوا حتى وصف لهم (ص) بيت المقدس، والجمهور على أن المرئى مرتين هو (جبريل ) وعن ابن عباس وعكرمة أن الرسول (ص) رأى ربه بعيني رأسه، وأنكرت ذلك عائشة، وقالت : إنه رأى جبريل في صورته مرتين، ثم قال أبو حيان : والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل، بدليل قوله تعالى :[ ولقد رآه نزلة أخرى ] فأنه يقتضي مرة متقدمة (( اقول : ما ذكره صاحب البحر قوى من حيث الدلالة، ومذهب أهل السنة أن النبي (ص) رأى ربه ليلة المعراج في السموات العلى رؤية بصرية، ولهم أدلة من السنة النبوية، أما الآيات الكريمة فالراجح ما قاله الجمهور، والله أعلم )).
[ ولقد رآه نزلة أخرى ] أي رأى الرسول جبريل فى صورته الملكية مرة أخرى
[ عند سدرة المنتهى ] آي عند سدرة المنتهى التي هي في السماء السابعة قرب العرش، قال المفسرون : والسدرة : شجرة النبق ننبع من أصلها الأنهار، وهي عن يمين العرش، وسميت سدرة المنتهى، لأنه ينتهى إليها علم الخلائق وجميع الملائكة، ولا يعلم أحد ما وراءها إلا الله جل وعلا، وفي الحديث :(ثم صعد بي إلى السماء السابعة، ورفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها - أي ثمرها - مثل قلال هجر، وإذا أوراقها كآذان الفيلة..)
[ عندها جنة المأوى ] أي عند سدرة المنتهى الجنة التي تأوي إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين
[ إذ يغشى السدرة ما يغشى ] أي رآه وقت ما غطى السدرة ما غطاها من العجائب، قال الحسن : غشيها نور رب العالمين فاستنارت، وقال ابن مسعود : غشيها فراش من ذهب وفي الحديث :(لما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها)قال المفسرون : رأى (ص)شجرة سدرة المنتهى وقد غشيتها سبحات أنوار آلله عز وجل، حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها، وغشيتها الملائكة أمثال الطيور، يعبدون الله عندها، يجتمعون حولها مسبحين وزائرين، كما يزور الناس الكعبة، وفي الحديث :(رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة ملكا قانما يسبح الله تعالى)
[ ما زاغ البصر ] أي ما مال بصر النبي (ص) في ذلك المقام، وفي تلك الحضرة يمينا ولا شمالا
[ وما طغى ] أي وما جاوز الحد الذي رأى، قال القرطبى ؟ أي لم يمد بصره إلى غير ما رأى من الآيات، وهذا وصف أدب النبي (ص) في ذلك المقام، إذ لم يلتفت يمينا ولا شمالا وقال الخازن : لما تجلى رب العزة وظهر نوره، ثبت (ص) في ذلك المقام العظيم، الذي تحار فيه العقول، وتزل فيه الأقدام، وتميل فيه الأبصار
[ لقد رأى من آيات ربه الكبرى ] أي والله لقد رأى محمد - ليلة المعراج - عجائب ملكوت الله، رأى (سدرة المنتهى، والبيت المعمور، والجنة والنار، ورأى جبريل في صورته التي يكون عليها في السموات له ستمائة جناح، ورأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق، وغير ذلك من الآيات العظام (( رؤيته (ص) للرفرف الأخضر الذي سد الأفق أخرجها البخاري عن ابن مسعود ))، قال الفخر : وفى الآية دليل على أن النبي (ص) رأى ليلة المعراج آيات الله، ولم ير الله تعالى كما قال البعض، ووجهه أن الله ختم قصة المعراج برؤية الآيات، وقال في الإسراء :[ لنريه من آياتنا ] ولو كان رأى ربه، لكان ذلك أعظم ما يمكن، ولأخبر تعالى به