[ وأنه أمات وأحيا ] أي خلق الموت والحياة، فهو جل وعلا القادر على الإماتة والإحياء لا غيره، ولهذا كرر الإسناد (هو) لبيان أن هذا من خصائص فعل الله
[ وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ] أي أوجد الصنفين : الذكر، والأنثى من أولاد آدم، ومن كل حيوان، قال الخازن : والغرض أنه تعالى هو القادر على إيجاد الضدين في محل واحد : الضحك والبكاء، والإحياء والإماتة، والذكر والأنثى، وهذا شيء لا يصل إليه فهم العقلاء ولا يعلمونه، وإنما هو بقدرة الله تعالى وخلقه، لا بفعل الطبيعة، وفيه تنبيه على كمال قدرته، لأن النطفة شيء واحد، خلق الله منها أعضاء مختلفة، وطباعا متباينة، وخلق منها الذكر والأنثى، وهذا من عجيب صنعته، وكمال قدرته، ولهذا قال
[ من نطفة إذا تمنى ] أي خلق الذكر والأنثى من نطفة إذا تدفقت من صلب الرجل، وصبت في رحم المرآة
[ وأن عليه النشأة الأخرى ] أي وأن عليه جك وعلا، إعادة خلق الئاس للحساب والجزاء، وإحياءهم بعد موتهم، قال في البحر : لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ فيها بقوله تعالى :[ عليه ] كأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه
[ وأنه هو أغنى وأقنى ] أي أغنى من شاء، وأفقر من شاء وقال ابن عباس : أعطى فأرضى، أغنى الإنسان ثم رضاه بما أعطاه
[ وأنه هو رب الشعرى ] أي هو رب الكوكب المضىء المسمى (بالشعرى) الذي كانوا يعبدونه، قال أبو السعود : أي هو رب معبودهم، وكانت خزاعة تعبدها، سن لهم ذلك رجل من أشرافهم هو " ابو كبشة "
[ وأنه أهلك عادا الأولى ] أي أهلك قوم عاد القدماء، الذين بعث لهم نبى الله " هود " عليه السلام، وكانوا من أشد الناس وأقواهم، وأعتاهم على الله وأطغاهم، فأهلكهم الله بالريح الصرصر العاتية، قال البيضاوي : سميت عادا الأولى أي القدماء، لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه السلام
[ وثمود فما أبقى ] اي وئمود دمرهم فلم يبق منهم أحدا
[ وقوم نوح من قبل ] أي وقوم نوح قبل عاد وثمود أهلكناهم
[ إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ] أي كانوا أظلم من الفريقين، وأشد تمردا وطغيانا ممن سبقهم، قال في البحر : كانوا في غاية العتو والإيذاء لنوح عليه السلام، يضربونه حتى لا يكاد يتحرك، ولا يتأثرون بشيء مما يدعوهم إليه، قال قتادة : دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما، كلما هلك قرن نشأ قرن، حتى كان الرجل يأخذ بيد ابنه يتمشى به إلى نوح، ليحذره منه، ويقول له : يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا، وأنا مثلك يومئذ، فإياك أن تصدقه، فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على بغض نوح
[ والمؤتفكة أهوى ] أي وقرى قوم لوط أهواها فأسقطها على الأرض، بعد أن انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وذلك أن جبريل رفعها إلى السماء، ثم هوى بها إلى الأرض
[ فغشاها ما غشى ] أي فغطاها من فنون العذاب ما غطى، وفيه تهويل للعذاب، وتعميم لما أصابهم منه، قال في البحر : والمؤتفكة هي مدائن قوم لوط، سميت بذلك لأنها انقلبت بأهلها، رفعها جبريل عليه السلام ثم أهوى بها إلى الأرض، ثم أمطرت عليهم حجارة من سجيل منضود، فذلك قوله :[ فغشاها ما غشى ]
[ فبأي آلاء ربك تتمارى ] أي فبأي نعم الله الدالة على وحدانيته وقدرته، تتشكك أيها الإنسان وتكذب ! ؟
[ هذا نذير من النذر الأولى ] أي هذا هو محمد رسول منذر كسائر الرسل، ومن جنس المنذرين الأولين، وقد علمتم ما حل بالمكذبين
[ أزفت الآزقة ] أي دنت الساعة واقتربت القيامة، قال القرطبي : سميت آزفة لدنوها وقرب قيامها
[ ليس لها من دون الله كاشفة ] أي لا يقدر على كشفها وردها، إذا غشيت الخلق بأهوالها وشدائدها، إلا الله تعالى
[ أفمن هذا الحديث تعجبون ] ؟ استفهام للتوبيخ أي أفمن هذا القرآن تعجبون يا معشر المشركين، سخرية واستهزاء ؟


الصفحة التالية
Icon