[ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ] أي ولنذيقنهم من العذاب الأقرب، وهو عذاب الدنيا، من القتل والأسر، والبلايا والمحن، قال الحسن : العذاب الأدنى : مصائب الدنيا وأسقامها مما يبتلى به العبيد حتى يتوبوا، وقال مجاهد : القتل والجوع
[ دون العذاب الأكبر ] أي قبل العذاب الأكبر الذي ينتظرهم، وهو عذاب الآخرة
[ لعلهم يرجعون ] أي لعلهم يتوبون عن الكفر والمعاصى! ! ثم بعد أن توعدهم وهددهم، بين استحقاقهم للعذاب، فقال سبحانه :
[ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ] أي لا أحد أظلم لنفسه، ممن وعظ وذكر بآيات الرحمن، ثم ترك الإيمان والمواعظ وتناساها ؟
[ إنا من المجرمين منتقمون ] أي سأنتقم ممن كذب بآياتي أشد الانتقام، ووضع الاسم الظاهر [ المجرمين ] مكان الضمير (منهم ) لتسجيل الإجرام عليهم
[ ولقد آتينا موسى الكتاب ] أي أعطينا موسى التوراة
[ فلا تكن في مرية من لقائه ] أي فلا تكن يا محمد في شك من تلقي القرآن (( ذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير يعود إلى (موسى ) أي فلا تكن في شك من لقاء موسى، وما ذكرناه أرجح وهو اختيار البيضاوي وأبي السعود، كأنه يقول : أوحينا اليك بالقرآن كما اوحينا إلى موسى بالتوراة، فلا تشك في أنه كلام الرحيم الرحمن، والخطاب للرسول (ص) والمراد أمته ))، كما تلقى موسى التوراة، والمقصود تقرير رسالته عليه السلام، وتحقيق أن ما معه من الكتاب، وحى سماوى، وكتاب إلهي
[ وجعلناه هدى لبني إسرائيل ] أي جعلنا التوراة هداية لبني إسرائيل من الضلالة
[ وجعلنا منهم أئمة ] أي جعلنا منهم قادة وقدوة، يقتدى بهم في الخير
[ يهدون بأمرنا ] أي يدعون الخلق إلى طاعتنا ويرشدونهم إلى الذين بأمرنا وتكليفنا
[ لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ] أي حين صبروا على تحمل المشاق في سبيل الله، وكانوا يصدقون بآياتنا أشد التصديق وأبلغه، قال ابن الجوزي : وفى هذا تنبيه لقريش، انكم إن اطعتم وآمنتم بالله، جعلت منكم أئمة
[ إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ] أي إن ربك يا محمد، يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيميز بين المحق والمبطل يوم القيامة، ونجازي كلا بما يستحق، فيما اختلفوا فيه من أمور الدين، قال الطبري : فيما كانوا فيه يختلفون من أمور الدين، والبعث، والثواب والعقاب.. ثم نبه تعالى على آثار قدرته في مخلوقاته، وأقام الحجة على الكفار بالأمم السالفة، الذين كفروا فأهلكوا فقال سبحانه :
[ أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون ] أي هل غفل هؤلاء المشركون عن الحقيقة ؟ ولم يتبين لهم كثرة من أهلكناهم من الأمم الماضية ؟ الذين كذبوا رسل الله ؟
[ يمشون في مساكنهم ] أي حال كون أهل مكة يسيرون في دورهم، ويشاهدون في أسفارهم منازل هؤلاء المهلكين ؟ أفلا يعتبرون ؟ قال ابن كثير : أي هؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك الظالمين، فلا يرون فيها أحدا ممن كان يسكنها ولعمرها
[ إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ] أي إن في إهلاكهم لدلالات عظيمة على قدرتنا، أفلا يسمعون سماع تدبر وإتعاظ ؟ لم ذكر تعالى دلانل الوحدانية، فقال سبحانه :
[ أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ] أي أولم يشاهدوا كمال قدرتنا، في سوقنا الماء إلى الأرض اليابسة، التي لا نبات فيها من شدة العطش لنحييها ؟
[ فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ] أي قنخرج بذلك الماء أنواع الزروع والثمار، تأكل منه دوابهم، من الكلأ والحشيش، وأنفسهم من الحب والخضر، والفواكه والبقول
[ أفلا يبصرون ] أي أفلا يبصرون ذلك، فيستدلون به على كمال قدرته تعالى وفضله ؟ ويعلمون أن الذي أحيا الأرض الميتة، قادرعلى إعادتهم بعد وفاتهم ؟


الصفحة التالية
Icon