[ كأنهم جراد منتشر ] أي كأنهم في انتشارهم، وسرعة إجابتهم للداعي، جراد منتشر في الآفاق، لا يدرون أين يذهبون ؟ من الخوف والحيرة، قال ابن الجوزي : وإنما شبههم تعالى بالجراد المنتشر، لأن الجراد لا جهة له يقصدها، فهم يخرجون من القبور فزعين، ليس لأحد منهم جهة يقصدها، والداعي هو إسرافيل
[ مهطعين إلى الداع ] أي مسرعين مادي أعناقهم إلى الداعى، لا يتلكئون ولا يتأخرون
[ يقول الكافرون هذا يوم عسر ] أي يقول الكافرون : هذا يوم صعب شديد، وفيه إشارة إلى أن ذلك اليوم، يوم شديد على الكافرين، لا على المؤمنين، كقوله تعالى :[ على الكافرين غير يسير ].. ثم ذكر تعالى وقائع الأمم المكذبين، وما حل بهم من العذاب والنكال، تسلية لرسول الله (ص) وتحذيرا لكفار مكة، فقال سبحانه :
[ كذبت قبلهم قوم نوح ] أي كذب قبل قومك يا محمد قوم نوح
[ فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ] أي فكذبوا عبدنا نوحا وقالوا : إنه مجنون، وانتهروه وزجروه عن دعوى النبوة، بالسب والإستهزاء، والتخويف والوعيد بقولهم :[ لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ] قال في البحر : لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون أي أنه يقول ما لا يقبله عاقل، وذلك مبالغة في تكذيبهم له، وإنما قال [ عبدنا ] تشريفا له وخصوصية بالعبودية
[ فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ] أي فدعا نوح ربه، وقال : يا رب إني ضعيف عن مقاومة هؤلاء المجرمين، فانتقم لي منهم، وانتصر لدينك، قال أبو حيان : وإنما دعا عليهم بعدما يئس منهم، وتفاقم شرهم، وكان الواحد من قومه يخنقه إلى أن يخر مغشيا عليه، ونوح يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
[ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ] أي فأرسلنا المطر من السماء منصبا بقوة وغزارة، قال أبو السعود : وهو تمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها
[ وفجرنا الأرض عيونا ] أي جعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة بالماء
[ فالتقى الماء على أمر قد قدر ] أي فالتقى ماء السماء وماء الأرض، على حال قد قدرها الله في الأزل، وقضاها بإهلاك المكذبين غرقا، قال قتادة : قضى عليهم في أم الكتاب إذا كفروا أن يغرقوا
[ وحملناه على ذات ألواح ودسر ] أي وحملنا نوحا على السفينة ذات الألواح الخشبية العريضة، المشدودة بالمسامير، قال في البحر : وذات الألواح والدسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليه السلام، ويفهم من هذين الوصفين أنها " السفينة " فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوب عنه، ونحوه : قميصي مسرودة من حديد أي درع، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، ولو جمعت بين الصفة والموصوف، لم يكن بالفصيح، والدسر : المسامير
[ تجرى بأعيننا ] أي تسير على وجه الماء، بحفظنا وكلاءتنا وتحت رعايتنا
[ جزاء لمن كان كفر ] أي أغرقنا قوم نوح انتصارا لعبدنا نوح، لأنه كان قد كذب وجحد فضله، قال الألوسي : أي فعلنا ذلك جزاء لنوح، لأنه كان نعمة أنعمها الله على قومه فكفروها، وكذلك كل نبي نعمة من الله تعالى على أمته
[ ولقد تركناها آية ] أي تركنا تلك الحادثة " الطوفان " عبرة
[ فهل من مدكر ] أي فهل من معتبر ومتعظ ؟
[ فكيف كان عذابي ونذر ] استفهام تهويل وتعجيب، أي فكيف كان عذابي وإنذاري ؟ لمن كذب رسلى، ولم يتعظ بايآتى ؟
[ ولقد يسرنا القرآن للذكر ] أي والله لقد سهلنا القرآن للحفظ والتدبر، والاتعاظ، لما اشتمل عليه من أنواع المواعظ والعبر


الصفحة التالية
Icon