[ فهل من مدكر ] أي فهل من متعظ بمواعظه، معتبر بقصصه وزواجره ؟ قال الخازن : وفيه الحث على تعليم القرآن والاشتغال به، لأنه قد يسره الله وسهله على من يشاء من عباده، بحيث يسهل حفظه للصغير والكبير، والعربي والعجمي، قال سعيد بن جبير : يسرناه للحفط والقراءة، وليس شيء من كتب الله تعالى، يقرأ كله ظاهرا-أي غيبا-إلا القرآن، وبالجملة فقد جعل الله القرآن مهيئا ومسهلا لمن أراد حفظه وفهمه، أو الاتعاظ به، فهو رأس سعادة الدنيا والآخرة
[ كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ] أي كذبت عاد رسولهم " هودا " فكيف كان إنذاري لهم بالعذاب ؟ ثم شرع في بيان ما حل بهم من العذاب الفظيع المدمر، فقال سبحانه :
[ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ] أي أرسلنا عليهم ريحا عاصفة باردة، شديدة الهبوب والصوت، قال ابن عباس : الصرصر : الشديدة البرد، وقال السدي : الشديدة الصوت (( قال ابن كثير بعد أن نقل الأقوال : والحق أنها متصفة بجميع ذلك، فقد كانت ريحا شديدة قوية، وكانت باردة شديدة البرد، وكانت ذات صوت مزعج. وهذا القول هو الذي اخترناه، لأنه هو المناسب للهول والفظاعة )).
[ في يوم نحس مستمر ] أي في يوم مشئوم دائم الشؤم، استمر عليهم بشؤمه، فلم يبق منهم أحد إلا هلك فيه، قال ابن كثير : استمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي
[ تنزع الناس ] أي تقلع الريح القوم، ثم ترمي بهم على رءوسهم، فتدق رقابهم وتتركهم
[ كأنهم أعجاز نخل منقعر ] أي كأنهم أصول نخل قد انقلعت من مغارسها، وسقطعت على الأرض، شبهوا بالنخل، لطولهم وضخامة أجسامهم، قال الخازن : كانت الريح تقلعهم ثم ترمي بهم على رءوسهم، فتدق رقابهم، وتفصل رءوسهم من أجسامهم، فتبقى أجسامهم بلا رءوس، كعجز النخلة الملقاة على الأرض
[ فكيف كان عذابي ونذر ] تهويل لما حل بهم من العذاب، وتعجيب من أمرهم، أي كيف كان عذابي وإنذاري لهم ؟ ألم يكن هائلا فظيعا ؟
[ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ] ؟ كرره للتنبيه على فضل الله على المؤمنين، بتيسير حفظ القرآن، آي ولقد سهلنا القرآن للحفظ والفهم، فهل من متعب ومعتبر بزواجر القرآن ! ؟ ثم أخبر تعالى عن قوم ثمود المكذبين لرسولهم (صالح ) عليه السلام، فقال سبحانه :
[ كذبت ثمود بالنذر ] أي كذبت ثمود بالإنذارات، والمواعظ التي أنذرهم بها نبيهم صالح
[ فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه ] أي أنتبع إنسانا مثلنا من آحاد الناس ؟ ليس من الأشراف ولا العظماء، ونحن جماعة كثيرون ؟ قالوا ذلك حسدا منهم واستبعادا أن يكون نوع البشر، يفضل بعضه بعضا، فقالوا : أنكون جمعا ونع واحدا منا ؟ ولم يعلموا أن الفضل بيد اللهيؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى على من رضيه
[ إنا إذا لفى ضلال وسعر ] أى إنا إذا اتبعناه لفى خطأ وذهاب عن الحق واضح، وجنون دائم، قال ابن عباس : سعر أى جنون من قولهم ناقة مسعورة كأنها من شدة نشاطها مجنونة
[ أءلقى الذكر عليه من بيننا ] استفهام إنكارى أى هل خص، بالوحى والرسالة وحده دوننا ؟ وفينا من هو أكثر منه مالا وأحسن حالا ؟ قال الإمام الفخر : وفى الآية إشارة إلى ما كانوا ينكرونه بطريق المبالغة، وذلك لأن الإلقاء إنزال بسرعة، فكأنهم قالوا : الملك ضخم جسيم، والسماء بعيدة، فكيف ينزل عليه الوحى فى لحظة ؟ وقولهم " عليه " إنكارا آخر، كأنهم قالوا : ما ألقى عليه الذكر أصلا، وعلى فرض نزوله فلا يكون عليه من بيننا، وفينا من هو فوقه فى الشرف والذكاء ؟ وقولهم [ أءلقى ] بدلا من قولهم " أءلقى الله " إشارة إلى أن الإلقاء من السماء غير ممكن، فضلا عن أن يكون من الله عالى


الصفحة التالية
Icon