[ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ] أي ويبقى ذات الله الواحد الأحد، ذو العظمة والكبرياء، والإنعام والإكرام، كقوله تعالى :[ كل شيء هالك إلا وجهه ] قال ابن عباس : الوجه عبارة عن الله جل وعلا الباقي الدائم، قال القرطبي : ووجه النعمة في فناء الخلق، التسويه بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام، والموت سبب النقلة من دار الفناء، إلى دار الثواب والجزاء (( تفسير القرطبي، وتوضيحا لنعمة الموت، نقول : إن الإنسان يكبر ويهرم، وتصيبه الأمراض والأسقام، فلو عاش طيلة حياته بالمرض العضال، لكان ذلك منتهى الإهانة له، ثم إن الموت يأتى الكبير والصغير، والفقير والغني، والظالم والمظلوم، ولو أن المظلوم مات، وبقي الظالم يرتع في الدنيا، والضعيف فني وزال، وبقى الطاغية المتجبر على قيد الحياة، لكان في ذلك أعظم الحسرة للبشر، فلذلك ساوى تعالى في الموت بين الخلائق : الملوك، والأمراء، والأغنياء، والفقراء، والطغاة والضعفاء، وهذا هو ميزان العدالة الإلهية، فظهر أن الموت من أعظم النعم على البشر، لينالوا جزاءهم العادل في الآخرة ! ! )).
[ فبأي آلاء ربكما تكذبان ] أي فبأي نعمة من نعم الله تكذبان
[ يسأله من في السموات والأرض ] اي يفتقر إليه تعالى كل من في السموات والأرض، ويطلبون منه العون والرزق، بلسان المقال، أو بلسان الحال
[ كل يوم هو في شأن ] أي كل ساعة ولحظة، هو تعالى في شأن من شئون الخلق، يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين، قال المفسرون : هي شئون يبديها ولا يبتديها، أي يظهرها للخلق ولا ينشئها من جديد، لأن القلم جف على ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة، فهو تعالى يرفع من يشاء ويضع من يشاء، ويشفي سقيما ويمرض سليما، ويعز ذليلا ويذل عزيزا، ويفقر غنيا ويغني فقيرا، قال مقاتل : إن الآية نزلت في اليهود، قالوا : إن الله تعالى لا يقضي يوم السبت شيئا، فرد الله عليهم بذلك
[ فبأي آلاء ربكما تكذبان ] اي فبأي نعم الله الجليلة تكذبان أيها الإنس والجان ؟
[ سنفرغ لكم أيه الثقلان ] أي سنحاسبكم على أعمالكم يا معشر الإنس والجن، قال ابن عباس : هذا وعيد من الله تعالى للعباد، وليس بالله تعالى شغل وهو فارغ !! قال في البحر : أي ننظر في أموركم يوم القيامة، لا أنه تعالى كان له شغل فيفرغ فيه، وجرى هذا على كلام العرب، يقول الرجل لمن يتهدده : سأفرغ لك أي سأتجرد للانتقام منك، من كل ما شغلني وقال البيضاوي : أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم يوم القيامة، وفيه تهديد، مستعار من قولك لمن تهدده : سأفرغ لك، فأن المتجرد للشيء يكون أقوى عليه، وأجد فيه، والثقلان : الإنس والجن، سميا بذلك لثقلهما على الأرض
[ فبأى آلاء ربكما تكذبان ] تقدم تفسيره
[ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ] أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات والأرض هاربين من الله، فارين من قضائه فاخرجوا منها، وخلصوا أنفسكم من عقابه، والأمر للتعجيز


الصفحة التالية
Icon