[ لا تنفذون إلا بسلطان ] أي لا تقدرون على الخروج، إلا بقوة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك ؟ قال ابن كثير : معنى الآية : إنكم لا تستطيعون هربا من أمر الله وقدره، بل هو محيط بكم لا تقدرون على التخلص من حكمه، أينما ذهبتم أحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، حيث الملائكة محدقة بالخلائق سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحد على الذهاب الا بسلطان أي إلا بأمر الله وإرادته [ يقول الإنسان يومئذ أين المفر ] ؟ وهذا إنما يكون في القيامة، لا في الدنيا بدليل قوله تعالى بعده [ يرسل عليكما شواظ من نار ] (( جنح بعض المتأخرين في هذه الأيام إلى تفسير الآية تفسيرا خاطئا فزعموا أن الإنسان يمكنه الصعود إلى السموات وفسروا " السلطان " بالعلم وهو مخالف لأقوال المفسرين، ويرده سياق الآية وسباقها، فإن الآية سيقت لبيان أهوال الآخرة وشدائدها بدليل قوله تعالى قبلها :﴿سنفرغ لكم أيه الثقلان ﴾ وقوله بعدها :﴿يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس ﴾ وقد اتفق المفسرون على أنها في الآخرة، ونحن لا نستنكر إمكان وصول الإنسان - بالصواريخ والمخترعات الحديثة - إلى القمر أو بعض الكواكب، فان ذلك في مقدور الإنسان، ويستطيع بواسطة العلم أن يدور حول الأرض ويعلو في الأجواء ولكنه لا يستطيع ان يصل إلى السماء، فقد جعلها الله سقفا محفوظا، اما القمر وسائر الكواكب فهي دون السماء الدنيا ويمكن الوصول إليها، - ولكننا نستنكر ونتعجب ممن يتهجم على القرآن بدون علم ولا فهم، ويقول في كتاب الله برأيه دون الرجوع إلى أقوال المفسرين المعتمدين، فوصولهم إلى القمر حقيقة، لا ننازع فيها، ولكن أن يقال : إن الاية تشير إلى الدنيا، وأن يفسروا السلطان بالعلم، فهذا الذي ننكره عليهم، لأنه لا يتفق مع اللغة، ولا مع سياق الآية وسباقها، وقد جاء من الحديث الشريف (من قال في كتاب الله برأيه، فليتبوأ مقعده من النار) رواه البخارى ومسلم )).
[ فبأى آلاء ربكما تكذبان ] ؟ تقدم تفسيره
[ يرسل عليكما شواظ من نار ] أي يرسل عليكما يوم القيامة لهب النار الحامية
[ ونحاس ] أي ونحاس مذاب يصب فوق رءوسكم، قال مجاهد : هو الصفر المعروف يصب على رءوسهم يوم القيامة، وقال ابن عباس :[ نحاس ] هو الدخان الذي لا لهب فيه، وقول مجاهد أظهر
[ فلا تنتصران ] أي فلا ينصر بعضكم بعضا، ولا يخلصه من عذاب الله، قال ابن كثير : ومعنى الآية لو ذهبتم هاربين يوم القيامة، لردتكم الملائكة وزبانية جهنم، بإرسال اللهب من النار، والنحاس المذاب عليكم، لترجعوا فلا تجدون لكم ناصرا
[ فبأي آلاء ربكما تكذبان ] تقدم تفسيره
[ فإذا انشقت السماء ] أي فإذا انصدعت يوم القيامة لتنزل الملائكة منها، لتحيط بالخلائق من كل جانب
[ فكانت وردة كالدهان ] أي فكانت مثل الورد الأحمر من حرارة النار، ومثل الأديم الأحمر أي الجلد الأحمر، قاله ابن عباس، وذلك من شدة الهول، ومن رهبة ذلك اليوم العظيم
[ فبأي آلاء ربكما تكذبان ] تقدم تفسيره
[ فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ] أي ففي ذلك اليوم الرهيب بوم تنشق السماء، لا يسأل أحد من المذنبين من الإنس والجن عن ذنبه، لأن للمذنب علامات تدل على ذنبه، كاسوداد الوجوه، وزرقة العيون، قال الإمام الفخر : لا يسأل أحد عن ذنبه، فلا يقال له : أنت المذنب أو غيرك ؟ ولا يقال : من المذنب منكم ؟ بل يعرفون بسوآد وجوههم وغيره
[ فبأي آلاء ربكما تكذبان ] تقدم تفسيره
[ يعرف المجرمون بسيماهم ] أي يعرف يوم القيامة أهل الإجرام، بعلامات تظهر عليهم، وهي ما يغشاهم من الكابة والحزن، قال الحسن : سواد الوجه وزرقة الأعين، كقوله تعالى :[ ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ] وقوله :[ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ]