[ ليس لوقعتها كاذبة ] أي لا يكون عند وقوعها نفس كاذبة، لكذب بوقوعها كحال المكذبين اليوم، لأن كل نفس تؤمن حينئذ، لأنها ترى العذاب عيانا، كقوله تعالى :[ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ] (( هذا القول هو الأرجح في تفسير الآية الكريمة وهو اخنيار البيضاوي وأبي السعود والألوسى، واختار ابن كثير أن المعنى : ليس لوقوعها - إذا اراد الله - صارف يصرفها ولا دافع يدفعها، وروي نحو هذا عن الحسن وقتادة : والأول أدق وأظهر، والله اعلم )).
[ خافضة رافعة ] أي هي خافضة لأقوام رافعة لآخرين، تخفض أعداء الله في النار، وترفع أولياء الله في الجنة، قال الحسن : تخفض أقواها إلى الجحيم، وإن كانوا في الدنيا أعزة، وترفع آخرين إلى أعلى عليين، وإن كانوا في الدنيا وضعاء.. ثم بين تعالى متى يكون ذلك، فقال سبحانه :
[ إذا رجت الأرض رجا ] أي زلزلت زلزالا عنيفا، واضطربت اضطرابا شديدا، بحيث ينهدم كل ما حولها، وما فوقها من بناء شامخ، وطود راسخ، قال المفسرون : ترج كما يرج الصبى في المهد، حتى ينهدم كل ما عليها من بناء، وينكسر كل ما فيها من جبال وحصون
[ وبست الجبال بسا ] أي فتتت تفتيتا حتى صارت كالدقيق المبسوس - وهو المبلول - بعد أن كانت شامخة
[ فكانت هباء منبثا ] أي فصارت غبارا متفرقا، متطايرا في الهواء، كالذي يرى في شعاع الشمس إذا دخل النافذة فهذا هو الهباء، والمنبث المتفرق، وهذه الآية كقوله تعالى :[ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ] وقوله :[ وسيرت الجبال فكانت سرابا ]
[ وكنتم أزواجا ثلاتة ] أي وكنتم - أيها الناس - أصنافا وفرقا ثلاثة " أهل اليمين، وأهل الشمال، وأهل السبق " فأما السابقون فهم أهل الدرجات العلى في الجنة، وأما أصحاب اليمين فهم سائر أهل الجنة، وأما أصحاب الشمال فهم أهل النار، وهذه مراتب الناس في الآخرة!! قال ميمون بن مهران : إثنان في الجنة وواحد في النار، ثم فصلهم تعالى بقوله :
[ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ] ؟ استفهام للتفخيم والتعظيم أي هل تدري أي شيء أصحاب الميمنة ؟ من هم ؟ وما هي حالهم وصفتهم ؟ إنهم الذين يؤتون صحائفهم في أيمانهم، فهو تعجيب لحالهم، وتعظيم لشأنهم، في دخولهم الجنة وتنعمهم بها
[ وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة ] ؟ أي هل تدري من هم ؟ وما هي حالهم وصفتهم ؟ إنهم الذين يؤتون صحائفهم بشمالهم، ففيه تعجيب لحالهم في دخولهم النار وشقائهم، قال القرطبي : والتكرير في [ ما أصحاب الميمنة ] و[ ما أصحاب المشئمة ] للتفخيم والتعجيب كقوله [ الحاقة ما الحاقة ] وقوله :[ القارعة ما القارعة ] وقال الألوسي : والمقصود التفخيم في الأول، والتفظيع في الثاني، وتعجيب السامع من شأن الفريقين، في الفخامة والفظاعة كأنه قيل : فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال، وأصحاب المشأمة في غاية سوء الحال
[ والسابقون السابقون ] هذا هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة أي والسابقون إلى الخيرات والحسنات، هم السابقون إلى النعيم والجنات، ثم أثنى عليهم بقوله :
[ أولئك المقربون ] أي أولئك هم المقربون من الله، في جواره، وفي ظل عرشه، ودار كرامته
[ في جنات النعيم ] أي هم في جنات الخلد يتنعمون فيها، قال الخازن : فإن قلت : لم أخر ذكر السابقين وكانوا أولى بالتقديم على أصحاب اليمين ؟ قلت : فيه لطيفة، وذلك أن الله ذكر في أول السورة الأمور الهائلة عند قيام الساعة تخويفا لعباده، فإما محسن فيزداد رغبة في الثواب، وإما مسيء فيرجع عن إساءته خوفا من العقاب، فلذلك قدم أصحاب اليمين ليسمعوا ويرغبوا، ثم ذكر أصحاب الشمال ليرهبوا، ثم ذكر السابقين وهم الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر ليجدوا ويجتهدوا


الصفحة التالية
Icon