[ ثلة من الأولين ] أي السابقون المقربون جماعة كثيرة من الأمم السالفة
[ وقليل من الأخرين ] أي وهم قليل من هذه الأمة، قال القرطبي : وسموا قليلا بالإضافة إلى من كان قبلهم، لأن الأنبياء المتقدمين كانوا كثيرين، فكثر السابقون إلى الإيمان منهم، فزادوا على عدد من سبق إلى التصديق من أمتنا، قال الحسن : سابقوا من مضى أكثر من سابقينا، ثم تلا الآية وقيل : إن المراد بقوله :[ والسابقون السابقون ] أول هذه الأمة، والآخرون المتأخرون من هذه الأمة، فيكون كلا الفريقين من أمة محمد (ص) (( القول الأول الذي أسلفناه هو اختيار جمهور المفسرين، كابن جرير، وأبي السعود، والقرطبي، والبيضاوي، والألوسي، واختار ابن كثير القول الثاني فقال : القول الذي اختاره ابن جرير فيه نظر بل ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها.. الخ أقول : قد علمت أن الأنبياء كثرة كثيرة وكلهم من السابقين، فاذا انضم إليهم أتباعهم من الخواص كانوا اكثر من خواص هذه الأمة، وتبقى أمة محمد (ص) أكثر الأمم دخولا الجنة وأفضل الأمم بمجموعها لا بخواصها، فيندفع بذلك الإشكال، والله أعلم )).
[ على سرر موضونة ] أي جالسين على أسرة منسوجة بقضبان الذهب، مرصعة بالدر والياقوت، قال ابن عباس :[ موضونة ] أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به
[ متكئين عليها ] أي حال كونهم مضطجعين على تلك الأسرة، شأن المنعمين المترفين
[ متقابلين ] أي وجوه بعضهم إلى بعض، ليس أحد وراء أحد، وهذا أدخل في السرور، وأكمل في أدب الجلوس
[ يطوف عليهم ولدان مخلدون ] أي يدور عليهم للخدمة أطفال في نضارة الصبا، لا يموتون ولا يهرمون، قال أبو حيان : وصفوا بالخلد -وإن كان كل من في الجنة مخلدا- ليدل على أنهم يبقون دائما في سن الولدان، لا يتحولون ولا يكبرون، كما وصفهم جل وعلا
[ بأكواب ] أي بأقداح كبيرة مستديرة لا عرى لها
[ وأباريق ] جمع إبريق أي وبأباريق لها عرى، تبرق من صفاء لونها
[ وكأس من معين ] أي وكأسيى من خمر لذة، جارية من العيون، قال ابن عباس : لم تعصر كخمر الدنيا بل هي من عيون سارحة، قال القرطبي : والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد في هذا الموضع : الخمر الجارية من العيون، ليست كخمر الدنيا، التي تستخرج بعصر وتكلف ومعالجة
[ لا يصدعون عنها ] أي لا تنصدع رءوسهم من شربها
[ ولا ينزفون ] أي ولا يسكرون فتذهب بعقولهم، كخمر الدنيا، قال ابن عباس : في الخمر أربع خصال :" السكر، والصداع، والقيء، والبول " وقد ذكر تعالى خمر الجنة، ونزهها عن هذه الخصال الذميمة
[ وفاكهة مما يتخيرون ] أي ولهم فيها فاكهة كثيرة، يختارون ما تشتهيه نفوسهم لكثرتها وتنوعها
[ ولحم طير مما يشتهون ] أي ولحم طير مما يحبون ويشتهون، قال ابن عباس : يخطر على قلب أحدهم لحم الطير فيطير، حتى يقع بين يديه على ما اشتهى، مقليا أو مشويا، وفي الحديث :(إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا) قال الرازي : وقدم الفاكهة على اللحم، لأن أهل الجنة يأكلون لا عن جوع، بل للتفكه، فميلهم إلى الفاكهة أكثر، كحال الشبعان في الدنيا فلذلك قدمها
[ وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ] أي ولهم مع ذلك النعيم، نساء من الحور العين، الواسعات العيون، في غاية الجمال والبهاء، كأنهن اللؤلؤ في الصفاء والنقاء، الذي لم تمسه الأيدي، قال في التسهيل : شبههن باللؤلؤ في البياض، ووصفه بالمكنون لأنه أبعد عن تغيير حسنه، وحين سألت " أم سلمة " رسول الله (ص)عن هذا التشبيه قال :" صفاؤهن كصفاء الدر في الأصداف، الذي لم تمسه الأيدي "


الصفحة التالية
Icon