[ ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ] ؟ أي هل أنتم تخلقون هذا المنى بشرا سويا، أم نحن بقدرتنا خلقناه وصورناه ؟ قال القرطبي : وهذا احتجاج على المشركين، وبيان للآية الأولى، والمعنى : إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غيرنا فاعترقوا بالبعت (( يقول شهيد الدعوة " سيد قطب، فى تفسيره الظلال ما نصه :" هذه هي الحقيقة الهائلة المتكررة في كل لحظة، ينساها الإنسان لتكرارها أمام عينيه، وهي أعجب من كل عجيب تبدعها شطحات الخيال ! ! نطفة تمنى وتراق وهي من إفرازات هذا الجسد الإنساني الكثيرة، كالعرق، والدمع " والمخاط، فاذا هي بعد فترة من الزمن إنسان سميع بصير، وإذا هذا الانسان ذكر وانثى! ! كيف تمت هذه العجيبة التي لم تكن - لولا وقوعها - تخطر على الخيال ؟ ! أين كان هذا الإنسان كامنا بعظمه ولحمه وجلده، وعروقه وشعره وأظافره، وخلائقه وطباعه ؟ أي قلب بشري يقف أمام هذه الحقيقة الهائلة العجيبة، ثم يتمالك أو يتماسك - فضلا عن أن يجحد ويتبجح - ويقول : إنها وقعت هكذا والسلام ؟ ! إن دور البشر في أمر هذا الخلق، لا يزيد على أن يودع الرجل ما يمني رحم امرأة، ثم ينقطع عمله وعملها، وتأخذ يد القدرة في العمل وحدها في هذا الماء المهين، تعمل وحدها في خلقه وتنميته، وبناء هيكله ونفخ الروح فيه، ومنذ اللحظة الأولى تتم المعجزة، وتقع الخارقة التى لا يصنعها إلا الله، وهذا القدر من التأمل يدركه كل إنسان، وهذا يكفي لتقدير هذه المعجزة والتأثر بها، ولكن قصة هذه الخلية الواحدة منذ ان تمنى قصة أغرب من الخيال، هذه الخلية الواحدة تبدأ في الانقسام والتكاثر، فاذا هي بعد فترة ملايين الملايين من الخلايا، كل مجموعة من هذه الخلايا ذات خصائص عجيبة، فهذه خلايا عظام، وهذه خلايا عضلات، وهذه خلايا جلد، وهذه خلايا أعصاب.. ثم هذه خلايا لعمل عين، وهذه لعمل لسان، وهذه لعمل أذن، وكل منها تعرف مكان عملها، فلا تخطىء خلايا العين مثلا فتطلع في البطن أو القدم، فسبحان العظيم القدير القائل ﴿ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ﴾ ))
[ نحن قدرنا بينكم الموت ] أي نحن قضينا وحكمنا عليكم بالموت وساوينا بينكم فيه، قال الضحاك : ساوى فيه بين أهل السماء والأرض، سواء فيه الشريف والوضيع، والأمير والصعلوك
[ وما نحن بمسبوقين ] أي وما نحن بعاجزين
[ على أن نبدل أمثالكم ] أي على أن نهلككم ونستبدل قوما غيركم، يكونون أطوع لله منكم، كقوله تعالى :[ إن نشأ نذهبكم ونأت بخلق جديد ]
[ وننشئكم فيما لا تعلمون ] أي ولسنا بعاجزين أيضا أن نعيدكم يوم القيامة، في خلقة لا تعلمونها، ولا تصل إليها عقولكم، والغرض أن الله قادر على أن يهلكهم، وأن يحييهم، وأن يبعثهم يوم القيامة، ففي الآية تهديد، واحتجاج على البعث
[ ولقد علمتم النشأة الأولى ] أي ولقد عرفتم أن الله أنشأكم من العدم، بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، فخلقكم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة
[ فلولا تذكرون ] أي فهلا تتذكرون بأن الله قادر على إعادتكم، كما قدر على خلقكم أول مرة ؟ [ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ] ؟ !
[ أفرأيتم ما تحرثون ] هذه حجة أخرى على وحدانية الله وقدرته، أي أخبروني عن البذر الذي تلقونه في الطين
[ ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ] ؟ أي أأنتم تنبتونه وتنشئونه، حتى يكون فيه السنبل والحب ؟ أم نحن الفاعلون لذلك ؟ فإذا أقررتم أن الله هو الذي يخرج الحب وينبت الزرع، فكيف تنكرون إخراجه الأموات من الأرض ؟


الصفحة التالية
Icon