[ لو نشاء لجعلناه حطاما ] أي لو أردنا لجعلنا هذا الزرع، هشيما متكسرا، لا ينتفع به في طعام ولا غيره، قال القرطبي : والحطام : الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، فنبههم بذلك على أمرين : أحدهما : ما أولاهم به من النعم في زرعهم ليشكروه الثاني : ليعتبروا في أنفسهم، فكما أنه تعالى يجعل الزرع حطاما إذا شاء، كذلك يهلكهم إذا شاء، ليتعظوا فينزجروا
[ فظلتم تفكهون ] أي فظللتم وبقيتم تتفجعون وتحزنون على الزرع، مما حل به وتقولون :
[ إنا لمغرمون ] أي إنا لمحملون الغرم في إنفاقنا حيث ذهب زرعنا، وغرمنا الحب الذي بذرناه (( قال الضحاك " مغرمون " من الغرم، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض، وقال ابن عباس : معذبون والغرام العذاب )).
[ بل نحن محرومون ] أي بل نحن محرومون الرزق، غرمنا قيمة البذر، وحرمنا خروج الزرع
[ أفرأيتم الماء الذي تشربون ] أي أخبروني عن الماء الذي تشربونه عذبا فراتا، لتدفعوا عنكم شدة العطش
[ ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ] أي هل أنتم الذين أنزلتموه من السحاب ؟ أم نحن المنزلون له بقدرتنا ؟ قال الخازن : ذكرهم تعالى نعمته عليهم بإنزال المطر، الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل
[ لو نشاء جعلناه أجاجا ] آي لو شئنا لجعلناه ماء مالحا شديد الملوحة، لا يصلح لشرب ولا لزرع، قال ابن عباس :[ أجاجا ] شديد الملوحة، وقال الحسن : مرا زعافا لا يمكن شربه
[ فلولا تشكرون ] اي فهلا تشكرون ربكم على نعمه الجليلة عليكم ؟! وفي الحديث أن النبي (ص) كان إذا شرب الماء قال :(الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته، ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا)لماذا جاء في الآية ذكر الماء الأجاج - أي المالح - ؟ إن الآية تشير إلى أن الماء الذي نشربه - ماء المطر- أصله كله من الأرض، كما قال تعالى [ أخرج منها ماءها ومرعاها ] وهو من مياه البحر المالحة، ولكن الله بقدرته يجعله حلوا عن طريق الأبخرة المتصاعدة من البحار بواسطة أشعة الشمس، فالمطر إذا (تحلية ربانية) ولو شاء الله لأنزله علينا كما أخرجه من البحر مالحا، مرا زعافا، يضر ولا ينفع، فما أعظم نعمة الله على عباده، بنزول مياه الأمطار ؟ الخارجة من البحار، دون الآت ولا مضخات كما يصنع البشر فى تحلية مياه البحر!!
[ أفرأيتم النار التي تورون ] أي أخبروني عن النار التي تقدحونها وتستخرجونها من الشجر الرطب
[ ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ] أي هل أنتم الذين خلقتم شجرها ؟ أم نحن الخالقون المخترعون ؟ وأراد جميع الشجر، الذي توقد منه النار، لما روي عن ابن عباس أنه قال : ما من شجرة ولا عود إلا وفيه النار، سوى العناب
[ نحن جعلناها تذكرة ] أي جعلنا نار الدنيا تذكيرا للنار الكبرى " نار جهنم " إذا رآها الرائي ذكر بها نار جهنم، فيخشى آلله ويخاف عقابه، وفي الحديث :(ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، فقالوا يا رسول الله : إن كانت لكافية!! فقال : والذي نفسي بيده، لقد فضلت عليها بتسعة وتسعين جزءا، كلهن مثل حرها)
[ ومتاعا للمقوين ] أي ومنفعة للمسافرين، قال ابن عباس :[ المقوين ] المسافرين، وقال مجاهد : للحاضر والمسافر، المستمتعين بالنار من الناس أجمعين قال الخازن : والمقوي النازل في الأرض القواء - وهي الأرض الخالية البعيدة عن العمران - والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسفار، فإن منفعتهم أكثر من المقيم، فإنهم يوقدون النار بالليل، لتهرب السباع، ويهتدي بها الضال، إلى غير ذلك من المنافع، وهو قول أكثر المفسرين.. ولما ذكر د لائل القدرة والوحدانية في الإنسان، والنبات، والماء، والنار، أمر رسوله بتسبيح الله الواحد القهار، فقال سبحائه :


الصفحة التالية
Icon