[ فسبح باسم ربك العظيم ] اي فسبح يا محمد ربك، عما أضافه إليه المشركون، من صفات العجز والنقص، وقل : سبحان من خلق هذه الأشياء بقدرته، وسخرها لنا بحكمته، سبحانه ما أعظم شأنه، وأكبر سلطانه !! عدد سبحانه وتعالى نعمه على عباده، فبدأ بذكر خلق الإنسان فقال :[ أفرأيتم ما تمنون ] ثم بما به قوامه ومعيشته وهو الزرع فقال :[ أفرأيتم ما تحرثون ] ثم بما به حياته وبقاؤه وهو الماء فقال :[ أفرأيتم الماء الذى تشربون ] ثم بما يصنع به طعامه، ويصلح به اللحوم والخضار وهو النار، فقال :[ أفرأيتم النار الي تورون ] فياله من إله كريم، ومنعم عظيم !! ثم شرع بالقسم على جلال القرآن ورفعته، وعلو شأنه ومنزلته، وأنه تنزيل العزيز الحكيم، فقال سبحانه :
[ فلا أقسم بمواقع النجوم ] اللام لتأكيد الكلام وتقويته، وزيادة " لا " كثير في كلام العرب ومشهور، قال الشاعر : تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد نياط القلب لا يتقطع أي كاد يتقطع، قال القرطبي " لا " صلة في قول أكثر المفسرين، والمعنى " فأقسم " بدليل قوله بعده :[ وإنه لقسم ] أي فأقسم بمنازل النجوم وأماكن دورانها في أفلاكها وبروجها
[ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ] أي وإن هذا القسم العظيم جليل، لو عرفتم عظمته لآمنتم وانتفعتم به، لما في القسم به من الدلالة على عظيم القدرة، وكمال الحكمة، وفرط الرحمة، ومن مقتضيات رحمته تعالى أن لا يترك عباده سدى (( لم يكن المخاطبون يعلمون عن مواقع النجوم إلا القليل، أما في هذا العصر فقد ظهرت معجزة القرآن، يقول الفلكيون : إن مجموعة واحدة من المجموعات التي لا تحصى في الفضاء الهائل، الذي لا نعرف له حدودا، مجموعة واحدة هي " المجرة " التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية تبلغ ألف مليون نجم، وإن من هذه النجوم والكواكب التى تزيد على عدة " بلايين " نجم منها ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض، ولا يوجد أي احتمال أن يقترب نجم من مجال نجم اخر، أو يصطدم بكوكب آخر، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض بآخر في المحيط الهادي، يسيران باتجاه واحد وبسرعة واحدة وهو احتمال بعيد جدا إن لم يكن مستحيلا )).
[ إنه لقرآن كريم ] هذا هو المقسم عليه، والمعنى : أقسم بمواقع النجوم إن هذا القرآن قرآن كريم، ليس بسحر ولا كهانة وليس بمفترى، بل هو قرآن كريم مجيد، جعله الله معجزة لنبيه محمد (ص)وهو كثير المنافع والخيرات والبركات
[ في كتاب مكنون ] أي في كتاب مصون عند الله تعالى، محفوظ عن الباطل، وعن التبديل والتغيير، قال ابن عباس : هو اللوح المحفوظ، وقال مجاهد : هو المصحف الذي بأيدينا
[ لا يمسه إلا المطهرون ] أي لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا المطهرون، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث، أو لا يمسه إلا من كان متوضئا طاهرا، قال القرطبي : المراد بالكتاب (المصحف ) الذي بأيدينا وهو الأظهر، لقول ابن عمر " لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " ولكتاب رسول الله (ص)لعمرو بن حزم " وألا يمس القرآن إلا طاهر) ((اخرجه مالك في الموطأ والحاكم فى المستدرك، وهذا الحديث أخذ به جميع الفقهاء كدليل على حرمة مس المصحف بدون طهارة )).
[ تنزيل من رب العالمين ] أي منزل من عند الله جل وعلا.. ثم لما عظم أمر القرآن ومجد شأنه، وبخ الكفار فقال سبحانه :
[ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ] أي أفبهذا القرآن يا معشر الكفار تكذبون وتكفرون ؟
[ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ] أي وتجعلون شكر رزقكم، أنكم تكذبون برازقكم ؟ وهو المنعم المتفضل عليكم ؟
[ فلولا إذا بلغت الحلقوم ] أي فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم، عند معالجة سكرات الموت