[ ثم استوى على العرش ] استواء يليق بجلاله، من غير تمثيل ولا تكييف (( قال في التسهيل : حمل قوم الاستواء على ظاهره، وتأوله قوم بمعنى قصد كقوله " ثم استوى إلى السماء " ولو كان كذلك لقال : ثم استوى إلى العرش، وتأولها آخرون أنها بمعنى استولى بالملك والقدرة.. والحق هو الايمان به من غير تكييف، فإن السلامة في التسليم، ولله در مالك حين سأله رجل عن ذلك فقال : الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة، وقد روي مثل قول مالك عن " أبي حنيفة " و " جعفر الصادق " و " الحسن البصري " ولم يتكلم الصحابة ولا التابعون في معنى الاستواء، بل امسكوا عنه، ولذلك قال مالك : السؤال عنه بدعة )).
[ يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها ] أي يعلم ما يدخل في الأرض، من مطر وأموات، وما يخرج منها من معادن ونبات وغير ذلك
[ وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ] أي وما ينزل من السماء من الأرزاق، والملائكة، والرحمة، والعذاب، وما يصعد فيها من الملائكة والأعمال الصالحة، كقوله [ إليه يصعد الكلم الطيب ]
[ وهو معكم أين ما كنتم ] أي هو جل وعلا حاضر مع كل أحد بعلمه وإحاطته، قال ابن عباس : هو عالم بكم أينما كنتم، قال ابن كثير : أي هو رقيب عليكم، شهيد على أعمالكم، حيث كنتم وأين كنتم، من بر وبحر، في ليل أو نهار، في البيوت أو القفار، الجميع في علمه على السواء، يسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم
[ والله بما تعملون بصير ] أي رقيب على أعمال العباد، مطلع على كل صغيرة وكبيرة
[ له ملك السموات والأرض ] كرره للتأكيد والتمهيد لإثبات الحشر والنشر أي هو المعبود على الحقيقة، المتصرف في الخلق كيف يشاء
[ وإلى الله ترجع الأمور ] أي إليه وحده مرجع أمور الخلائق في الآخرة فيجازيهم على أعمالهم
[ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ] أي هو المتصرف في الكون كيف يشاء، يقلب الليل والنهار بحكمته وتقديره، ويدخل كلا منهما في الآخر، منارة يطول الليل ويقصر النهار، وأخرى بالعكس
[ وهو عليم بذات الصدور ] أي هو العالم بالسرائر والضمائر، وما فيها من النوايا والخفايا، ومن كانت هذه صفته فلا يجوز أن يعبد سواه.. ثم لما ذكر دلائل عظمته وقدرته، أمر بتوحيده وطاعته فقال :
[ أمنوا بالله ورسوله ] أي صدقوا بأن الله واحد وأن محمدا عبده ورسوله
[ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ] أي وتصدقوا من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها، فهي في الحقيقة لله لا لكم، قال فى التسهيل : يعني أن الأموال التي بأيديكم إنما هي أموال الله لأنه خلقها، ولكنه متعكم بها وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فأنتم فيها بمنزلة الوكلاء، فلا تمنعوها من الإنفاق فيما أمركم مالكها أن تنفقوها فيه (( وقيل المعنى : مما جعلكم خلفاء عمن كان قبلكم، فيما كان بأيديهم، فانتقل لكم بالإرث وسيخلفكم فيه من بعدكم، والأول اظهر ))، والمقصود التحريض على الإنفاق والتزهيد في الدنيا، ولهذا قال بعده :
[ فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ] أي فالذين جمعوا بين الإيمان الصادق، والإنفاق في سبيل الله، ابتغاء وجهه الكريم، لهم أجر عظيم وهو الجنة، قال أبو السعود : وفي الآية من المبالغات ما لا يخفى، حيث جعل الجملة إسمية [ فالذين آمنوا ] وأعيد ذكر الإيمان والإنفاق [ آمنوا وأنفقوا ] وكرر الإسناد [ لهم ] وفخم الأجر بالتنكير ووصفه بالكبير [ لهم أجر كبير ]
[ وما لكم لا تؤمنون بالله ] استفهام للإنكار والتوبيخ أي أي عذر لكم في ترك الإيمان بالله ؟
[ والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ] أي والحال أن الرسول (ص)يدعوكم للإيمان بربكم وخالقكم، بالبراهين القاطعة، والحجج الدامغة


الصفحة التالية
Icon