[ وقد أخذ ميثاقكم ] أي وقد أخذ الله ميثاقكم - وهو العهد المؤكد - بما ركز فى العقول، من الأدلة الدالة على وجود الله، بنصب الأدلة، والتمكين من النظر وقال الخازن : أخذ ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم، وأعلمكم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، وقيل : أخذ ميثاقكم حيث ركب فيكم العقول، ونصب لكم الأدلة والبراهين والحجج، التي تدعو إلى متابعة الرسول
[ إن كنتم مؤمنين ] شرط حذف جوابه أي إن كنتم مؤمنين في وقت من الأوقات، فالآن أحرى الأوقات، لقيام الحجج والبراهين عليكم.. ثم ذكر تعالى بعض الأدلة الدالة على وجوب الإيمان، فقال سبحانه :
[ هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ] أي هو تعالى الذين ينزل على محمد (القرآن العظيم )، المعجز فى بيانه، الواضح في أحكامه، قال القرطبى : يريد بالآيات البينات القرآن، وقيل : المعجزات أي لزمكم الإيمان بمحمد (ص) لما معه من المعجزات، والقرآن أكبرها وأعظمها
[ ليخرجكم من الظلمات إلى النور ] أي ليخرجكم من ظلمات الكفر، إلى نور الهداية والإيمان
[ وإن الله بكم لرءوف رحيم ] أي مبالغ في الرأفة والرحمة بكم، حيث أنزل الكتب، وأرسل الرسل لهدايتكم، ولم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية
[ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض ] ؟ أي أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله، وفيما يقربكم من ربكم ؟ وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم، وهي صائرة إلى الله تعالى ؟ قال الإمام الفخر : المعنى إنكم ستموتون فتورثون، فهلا قدمتموه في الإنفاق في طاعة الله !! وهذا من أبلغ الحث على الإنفاق في سبيل الله
[ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ] أي لا يستوي في الفضل من أنفق ماله، وقال الأعداء مع رسول آلله، قبل فتح مكة، مع من أنفق ماله وقاتل بعد فتح مكة، قال المفسرون : وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم، لأن حاجة الإسلام إلى الجهاد، والإنفاق، كانت أشد، ثم أعز الله الإسلام، بعد الفتح وكثر ناصريه، ودخل الناس في دين الله أفواجا
[ أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ] أي أعظم أجرا، وأرفع منزلة، من الذين أنفقوا من بعد فتح مكة، وقاتلوا لإعلاء كلمة الله، قال الكلبى : نزلت في " أبي بكر " لأنه أول من أسلم، وأول من أنفق ماله في سبيل الله، ودب عن رسول الله (ص)
[ وكلا وعد الله الحسنى ] أي وكلا ممن أمن وأنفق قبل الفتح، ومن أمن وأنفق بعد الفتح، وعده الله الجنة مع تفاوت الدرجات
[ والله بما تعملون خبير ] أي عالم بأعمالكم، مطلع على خفاياكم ونواياكم، ومجازيكم عليها، وفي الآية وعد ووعيد
[ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ] أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الله ابتغاء رضوانه
[ فيضاعفه له ] أي يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفا
[ وله أجر كريم ] أي وله مع المضاعفة ثواب عظيم كريم، وهو الجنة، قال ابن كثير : أي جزاء جميل ورزق باهر وهو الجنة، ولما نزلت هذه الآية قال " أبو الدحداح الأنصاري " يا رسول الله : وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال : نعم يا ابا الدحداح، قال : أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي - أي بستاني - وله فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه هى وعيالها، فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم الدحداح قالت : لبيك، قال : اخرجي فقد أقرضته ربى عز وجل، فقالت : ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها.. ثم أخبر تعالى عن المؤمنين الأبرار، وما يتقدمهم من الأنوار وهم على الصراط فقال :


الصفحة التالية
Icon