[ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ] أي أذكر يوم ترى أنوار المؤمنين والمؤمنات، تتلألأ من أمامهم ومن جميع جهاتهم ليستضيئوا بها على الصراط، وتكون وجوههم مضيئة، كإضاءة القمر في سواد الليل
[ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار ] أي ويقال لهم : أبشروا اليوم بجنات الخلد والنعيم، التي تجري من تحت قصورها أنهار الجنة
[ خالدين فيها ] أي ماكثين فيها أبدا
[ ذلك هو الفوز العظيم ] أي الفوز الذي لا فوز بعده، لأنه سبب السعادة الأبدية، روي أن نور كل أحد على قدر إيمانه، وأنهم متفاوتون في النور، فمنهم من يضيء نوره ما قرب من قدميه، ومنهم من يطفأ نوره مرة ويظهر مرة قال الزمخشري : وإنما قال :[ بين أيديهم وبأيمانهم ] لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم. ولما شرح حال المؤمنين يوم القيامة، أتبع ذلك بشرح حال المنافقين، فقال سبحانه :
[ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ] أي انتظرونا لنستضيء من نوركم، قال المفسرون : إن الله تعالى يعطي المؤمنين نورا يوم القيامة على قدر أعمالهم، يمشون، به على الصراط، ويترك الكافرين والمنافقين بلا نور، فيستضيء المنافقون بنور المؤمنين، فبينما هم يمشون، إذ بعث الله فيهم ريحا وظلمة، فبقوا في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم، فيقولون للمؤمنين : انتظرونا لنستضيء بنوركم
[ قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ] أي فيقول لهم المؤمنون سخرية واستهزاء بهم : ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا هذه الأنوار هناك !! قال أبو حيان : وقد علموا أن لا نور وراءهم، وإنما هو إقناط لهم
[ فضرب بينهم بسور له باب ] أي فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجز له باب، يحجز بين أهل الجنة وأهل النار
[ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ] أي في باطن السور الذي هو جهة المؤمنين الرحمة وهي الجنة، وفي ظاهره وهو جهة الكافرين العذاب وهو النار، قال ابن كثير : هو سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه، فاذا استكملوا دخولهم أغلق الباب، وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب
[ ينادونهم ألم نكن معكم ] أي ينادي المنافقون المؤمنين : ألم نكن معكم في الدنيا، نصلي كما تصلون، ونصوم كما تصومون، ونحضر الجمعة والجماعات، ونقاتل معكم في الغزوات ؟
[ قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم ] أي قال لهم المؤمنون : نعم كنتم معنا في الظاهر، ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق
[ وتربصتم ] أي انتظرتم بالمؤمنين الدوانر
[ وارتبتم ] أي شككتم في أمر الدين
[ وغرتكم الأماني ] أي خدعتكم الأماني الفارغة بسعة رحمة الله
[ حتى جاء أمر الله ] أي حتى جاءكم الموت
[ وغركم بالله الغرور ] أي وخدعكم الشيطان الماكر بقوله : أن الله عفو كريم لا يعذبكم، قال قتادة : ما زالوا على خدعة من الشيطان، حتى قذفهم الله في نار جهنم قال المفسرون : الغرور بفتح الغين : الشيطان، لأنه يغر ويخدع الإنسان، قال تعالى :[ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ]
[ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ] أي ففي هذا اليوم العصيب، لا يقبل منكم بدل ولا عوض، يا معشر المنافقين، ولا من الكافرين الجاحدين بالله وآياته، وفي الحديث :(إن الله تعالى يقول للكافر : أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار ؟! قيقول : نعم يا رب، فيقول الله تبارك وتعالى : قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم، أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك )


الصفحة التالية
Icon