[ مأواكم النار ] أي مقامكم ومنزلكم نار جهنم
[ هي مولاكم ] أي هي عونكم وسندكم وناصركم، لا ناصر لكم غيرها، وهو تهكم بهم وسخرية لاذعة
[ وبئس المصير ] أي وبئس المرجع والمنقلب نار جهنم. قال بعض العلماء :" السعيد من لا يغتر بالطمع، ولا يركن إلى الخدع، ومن أطال الأمل نسى العمل، وغفل عن الأجل ". ***
قال الله تعالى :[ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله.. ] إلى قوله [ والله ذو الفضل العظيم ]. من آية (١٦) إلى آية (٢٩) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى اغترار المنافقين والكافرين بالحياة الدنيا، نبه المؤمنين ألا يكونوا مثلهم، أو مثل أهل الكتاب بالاغترار بدار الفناء، ثم ضرب مثلا للحياة الدنيا وبهرجها الخادع الكاذب، وختم السورة الكريمة ببيان فضيلة التقوى والعمل الصالح، وأرشد المؤمنين إلى مضاعفة الأجر والنور باتباعهم هدي الرسول (ص).
اللغة :
[ يأن ] يحن يقال : أنى يأنى مثل رمى يرمي أي حان، قال الشاعر : ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا ؟
[ تخشع ] تذل وتلين
[ الأمد ] الأجل أو الزمان
[ يهيج ] هاج الزرع إذا جف ويبس، بعد خضرته ونضارته
[ حطاما ] فتاتا يتلاشى بالرياح
[ قفينا ] ألحقنا وأتبعنا
[ كفلين ] مثنى كفل وهو النصيب.
سبب النزول :
لما قدم المؤمنون المدينة، أصابوا من لين العيش ورفاهيته، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا ونزلت هذه الآية [ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ] قال ابن مسعود :(ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية، إلا أربع سنوات ).
التفسير :
[ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ] أي أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم، وتلين لمواعظ الله ؟
[ وما نزل من الحق ] أي وترق لما نزل من آيات القرآن المبين ؟
[ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ] أي ولا يكونوا كاليهود والنصارى، الذين أعطاهم الله التوراة والإنجيل
[ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ] أي فطال عليهم الزمن الذي بينهم وبين أنبيائهم، حتى صلبت قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، قال ابن عباس :[ قست قلوبهم ] مالوا إلى الدنيا، وأعرضوا عن مواعظ القرآن، وقال أبو حيان : أي صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة والغرض أن الله يحذر المؤمنين أن يكونوا مع القرآن كاليهود والنصارى، حين قست قلوبهم لما طال عليهم الزمان
[ وكثير منهم فاسقون ] أي وكثير من أهل الكتاب خارجون عن طاعة الله، راقضون لتعاليم دينهم، من فرط قسوة القلب، قال ابن كثير : نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الزمن بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد
[ اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها ] أي اعلموا يا معشر المؤمنين أن الله يحي الأرض القاحلة المجدبة بالمطر، ويخرج منها النبات بعد يبسها، وهو تمثيل لإحياء القلوب القاسية، بالذكر وتلاوة القرآن، كما تحيا الأرض المجدبة بالغيث الهتان، قال ابن عباس : يلين القلوب بعد قسوتها، فيجعلها مخبتة منيبة، وكذلك يحي القلوب الميتة بالعلم والحكمة قال في البحر : ويظهر أنه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها، فكما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الخشوع والطاعات
[ قد بينا لكم الآيات ] أي وضحنا لكم الحجج والبراهين، الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا


الصفحة التالية
Icon