١ - روي أن رجلا من قريش يدعى (جميل بن معمر) كان لبيبا حافظا لما يسمع، فقالت قريش : ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه فأنزل الله [ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.. ] الآية.
٢ - وروي أن النبي (ص) لما أراد غزوة تبوك أمر الناس بالتجهز والخروج لها، فقال أناس : نستأذن آباءنا وأمهاتنا، فأنزل الله [ النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم... ] الآية.
التفسير :
[ يا أيها النبي اتق الله ] النداء هنا جاء على سبيل التشريف والتكرمة لأن لفظ " النبوة " مشعر بالتعظيم والتكريم، أي اثبت يا أيها النبي على تقوى الله ودم عليها، قال أبو السعود : وفي ندائه (ص) بعنوان النبوة تنوية شأنه، وتنبيه على سمو مكانه، والمراد بالتقوى المأمور به : الثبات عليه والازدياد منه، فإن له بابا واسعا، ومكانا عريضا لا ينال مداه
[ ولا تطع الكافرين والمنافقين ] أي ولا تطع، أهل الكفر والنفاق، فيما يدعونك إليه، من اللين والتساهل، وعدم التعرض لآلهتهم بسوء، ولا تقبل أقوالهم، وإن أظهروا أنها نصيحة ! ! قال المفسرون : دعا المشركون رسول الله أن يرفض ذكر آلهتهم بسوء، أن يقول إن لها شفاعة، فكره (ص) ذلك ونزلت الآية
[ أن الله كان عليما حكيما ] أي إنه تعالى عالم بأعمال العباد، وما يضمرونه في نفوسهم، حكيم في تدبير شئونهم
[ واتبع ما يوحى إليك من ربك ] أي وأعمل بما يوحيه إليك ربك من الشرع القويم، والدين الحكيم، واستمسك بالقرآن المنزل عليك
[ وتوكل على الله ] اي اعتمد عليه، والجأ في أمورك إليه
[ وكفى بالله وكيلا ] أي وحسبك أن يكون الله حافظا وناصرا لك ولأصحابك ! ! ثم رد تعالى مزاعم الجاهلين، ببيان الحق الساطع، فقال سبحانه :
[ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ] أي ما خلق الله لأحد! من الناس أيا كان قلبين في صدره، قال مجاهد : نزلت في رجل من قريش كان يدعى " ذا القلبين " من دهائه، وكان يقول : أن في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما عقلا أفضل من عقل محمد (ص) فلما كان يوم بدر، انهزم المشركون، وكان (جميل بن معمر) ذا القلبين في مقدمة المنهزمين، فلقيه آبو سفيان فقال له : ما فعل الناس ؟ قال : انهزموا، قال : فما بال إحدى نعليك في يدك، والأخرى في رجلك ؟ فقال : لا، بل هما فى رجلى، ثم نظر فوجدها في يده، فعلم الناس أنه لو كان له قلبان لما طاش عقله من هول الهزيمة! !
[ وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ] اي وما جعل زوجاتكم اللوائي تظاهرون منهن أمهاتكم، قال ابن الجوزي : أعلم تعالى أن الزوجة لا تكون أما، وكانت الجاهلية تطلق بهذا الكلام، وهو أن يقول لها : أنت على كظهر أمي
[ وما جعلإ أدعياءكم أبناءكم ] أي وما جعل الأبناء من التبني، الذين هم ليسوا من أصلابكم، أبناء لكم حقيقة
[ ذلكم قولكم بأفواهكم ] أي دعاؤهم أبناء مجرد قول بالفم، لا حقيقة له من الواقع
[ والله يقول الحق ] أي والله تعالى يقول الحق الموافق للواقع، والمطابق له من كل الوجوه
[ وهو يهدي السبيل ] أي يرشد إلى الصراط المستقيم، والغرض من الآية التنبيه على بطلان مزاعم الجاهلية، فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أما، ولا الولد المتبنى ابنا، لأن الأم الحقيقية هي التي ولدته، والابن الحقيقي هو الذي ولد من صلب الرجل، فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات ؟ وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناء لهم ؟ مع إنهم ليسوا من أصلابهم ؟ ثم أمر تعالى برد نسب هؤلاء إلى آبائهم قال :