[ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ] أي وليست الحياة الدنيا في حقارتها وسرعة انقضائها، إلا متاع زائل، ينخدع بها الغافل، ويغتر بها الجاهل، قال سعيد بن جبير : الدنيا متاع الغرور، إن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة، فنعم المتاع ونعم الوسيلة.. ولما حقر الدنيا وصغر أمرها، وعظم الآخرة وفخم شأنها، حث على المسارعة إلى نيل مرضاة الله، التي هي سبب للسعادة الأبدية في دار الخلود والجزاء، فقال سبحانه :
[ سابقوا إلى مغفرة من ربكم ] أي تسابقوا أيها الناس وسارعوا بالأعمال الصالحة، التي توجب المغفرة لكم من ربكم، قال أبو حيان : وجاء التعبير بلفظ [ سابقوا ] كأنهم في ميدان سباق يجرون إلى غاية، مسابقين إليها، والمعنى : سابقوا إلى سبب مغفرة وهو الإيمان، وعمل الطاعات
[ وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ] أي وسارعوا إلى جنة واسعة فسيحة، عرضها كعرض السموات السبع مع الأرض مجتمعة، قال السدي : إن الله تعالى شبه عرض الجنة بعرض السموات السبع والأرضين السبع، ولا شك أن طولها أزيد من عرضها، فذكر العرض تنبيها على أن طولها أضعاف ذلك وقال البيضاوي : إذا كان العرض كذلك فما ظنك بالطول (( تفسير البيضاوي والآية تمثيل للسعة، وإلا فإن أقل أهل الجنة، من له قدر الدنيا وعشرة أمثالها، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب الإيمان )).
[ أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ] أي هيأها الله وأعدها للمؤمنين المصدقين بالله ورسله، قال المفسرون : وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة وموجودة، لأن ما لم يخلق بعد، لا يوصف بأنه أعد وهيئ
[ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ] أي ذلك الموعود به من المغفرة والجنة، هو عطاء الله الواسع، يتفضل به على من يشاء من عباده، من غير إيجاب
[ والله ذو الفضل العظيم ] أي ذو العطاء الواسع، والإحسان الجليل
[ ما أصاب من مصيبة في الأرض ] أي ما يحدث في الأرض مصيبة من المصائب، كقحط، وزلزلة، وعاهة في الزروع، ونقص في الثمار
[ ولا في أنفسكم ] أي من الأمراض، والأوصاب، والفقر، وذهاب الأولاد
[ إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ] أي إلا وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن نخلقها ونوجدها، قال في التسهيل : المعنى أن الأمور كلها مقدرة في الأزل، مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن تكون، وفي الحديث :(إن الله كتب مقادير الأشياء، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)
[ إن ذلك على الله يسير ] أي إن إثبات ذلك على كثرته، سهل هين على الله عز وجل، وإن كان عسيرا على العباد.. ثم بين تعالى لنا الحكمة في اعلامنا عن كون هذه الأشياء، واقعة بالقضاء والقدر، فقال سبحانه :
[ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ] أي أثبت وكتب ذلك، كي لا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم الدنيا


الصفحة التالية
Icon