[ ولا تفرحوا بما آتاكم ] أي ولكي لا تبطروا بما أعطاكم الله، من زهرة الدنيا ونعيمها، قال المفسرون : والمراد بالحزن الحزن الذي يوجب القنوط، وبالفرح الفرح الذي يورث الأشر والبطر، ولهذا قال ابن عباس :(ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرا، وغنيمته شكرا)ومعنى الآية : لا تحزنوا حزنا يخرجكم إلى أن تهلكوا أنفسكم، ولا تفرحوا فرحا شديدا يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا، ولهذا قال بعض العارفين " من عرف سر الله في القدر، هانت عليه المصائب " وقال عمر رضي الله عنه :(ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم : الأولى : أنها لم تكن في ديني، الثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت، الثالثة : أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير) وقرأ [ وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ] أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ]
[ والله لا يحب كل مختال فخور ] أي لا يحب كل متكبر، معجب بما أعطاه الله من حظوظ الدنيا، فخور به على الناس.. ثم بين تعالى أوصاف هؤلاء المذمومين فقال :
[ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ] أي يبخلون بالإنفاق في سبيل الله، ولا يكفيهم ذلك حتى يأمروا الناس بالبخل، ويرغبوهم في الإمساك
[ ومن يتول ] أي ومن يعرض عن الإنفاق
[ فإن الله هو الغنى الحميد ] أي فإن الله مستغن عنه وعن إنفاقه، محمود في ذاته وصفاته، لا يضره الإعراض عن شكره، ولا تنفعه طاعة الطائعين، وفيه وعيد وتهديد
[ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ] اللام موطئة لقسم محذوف، أي والله لقد بعثنا رسلنا، بالحجج القواطع، والمعجزات البينات
[ وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ] أي وأنزلنا معهم الكتب السماوية، التي فيها سعادة البشرية، وأنزلنا القانون الذي يحكم به بين الناس، وفسر بعضهم الميزان بأنه (العدل )، وقال ابن زيد : هو ما يوزن به ويتعامل
[ ليقوم الناس بالقسط ] أي ليقوم الناس بالحق والعدل فى معاملاتهم
[ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ] أي وخلقنا وأوجدنا الحديد، فيه بأس شديد، لأن الآت الحرب تتخذ منه، كالدروع، والرماح، والتروس، والدبابات، وغير ذلك
[ ومنافع للناس ] أي وفيه منافع كثيرة للناس، كسكك الحراثة، والسكين، والفأس وغير ذلك، وما من صناعة إلا والحديد آلة فيها، حتى البناء والعمران، قال أبو حيان : وعبر تعالى عن إيجاده (بالإنزال ) كما قال :[ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ] لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام، لما كانت تلقى من السماء، جعل الكل نزولأ منها، وأراد بالحديد جنسه من المعادن التي خلقها الله في الأرض، قاله الجمهور :
[ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ] عطف على محذوف مقدر، أي وأنزلنا الحديد ليقاتل به المؤمنون أعداءهم، ويجاهدوا لإعلاء كلمة الله، وليعلم الله من ينصر دينه ورسله، باستعمال السيوف والرماح، وسائر الأسلحة، مؤمنا بالغيب، قال ابن عباس : ينصرونه ولا يبصرونه، ثم قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon