[ إن الله قوى عزيز ] أي قادر على الانتقام من أعدائه بنفسه، عزيز أي غالب لا يغالب، فهو غنى بقدرته وعزته عن كل أحد، قال البيضاوي : أي قوى على إهلاك من أراد إهلاكه، عزيز لا يفتقر إلى نصرة أحد، وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به، ويستوجبوا الثواب وقال ابن كثير : معنى الآية أنه جعل الحديد، رادعا لمن أبى الحق وعانده، بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله (ص)بمكة ثلاث عشرة سنة، توحى إليه السور، ويقارعهم بالحجة والبرهان، فلما قامت الحجة على من خالف أمر الله، شرع آلله الهجرة، وأمر المؤمنين بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب، ولهذا قال عليه السلام :(بعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم )ثم قال تعالى :[ إن الله قوي عزيز ] أي هو قوي عزيز، ينصر من شاء من غير احتياج منه إلى الناس، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضهم ببعض
[ ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ] لما ذكر بعثة الرسل، ذكر هنا شيخ الأنبياء نوحا عليه السلام، وأبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وبين أنه جعل في نسلهما (النبوة) و(الكتب السماوية) والمعنى : والله لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم، وجعلنا النبوة في نسلهما، كما أنزلنا الكتب الأربعة، وهي (التورآة والزبور والإنجيل والقرآن ) على ذريتهما، وإنما خص نوحا وإبراهيم بالذكر، تشريفا لهما، وتخليدا لمآثرهما الحميدة
[ فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ] أي فمن ذرية نوح وإبراهيم أناس مهتدون، وكثير منهم عصاة خارجون عن الطاعة، وعن الطريق المستقيم
[ ثم قفينا على آثارهم برسلنا ] أي ثم أتبعنا بعدهم رسلنا الكرام، أرسلناهم رسولا بعد رسول، (موسى، والياس، وداود، وسليمان، ويونس ) وغيرهم
[ وقفينا بعيسى ابن مريم ] أي وألحقنا عيسى وأتبعناه بعد أولئك الرسل، لأنه كان آخر الأنبياء من بنى إسرائيل
[ وآتيناه الإنجيل ] أي وأنزلنا عليه الإنجيل، الذي فيه البشارة بمحمد (ص)
[ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ] أي وجعلنا في قلوب أتباعه (الحواريين ) الشففة واللين، قال في التسهيل : هذا ثناء من الله عليهم بمحبة بعضهم في بعض، كما وصف تعالى أصحاب سيدنا محمد (ص) بأنهم [ رحماء بينهم ]
[ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ] أي ورهبانية ابتدعها القسس والرهبان، وأحدثوها من تلقاء أنفسهم، ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها، قال أبو حيان : والرهبانية رفض النساء وشهوات الدنيا، واتخاذ الصوامع، ومعنى [ ابتدعوها ] أي أحدثوهأ من عند أنفسهم
[ إلا ابتغاء رضوان الله ] أي ما أمرناهم إلا بما يرضي الله، والاستثناء منقطع، والمعنى : ما كتبنا عليهم الرهبانية، ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم، ابتغاء رضوان الله
[ فما رعوها حق رعايتها ] أي فما قاموا بها حق القيام، ولا حافظوا عليها كما ينبغي، قال ابن كثير : وهذا ذم لهم من وجهين : أحدهما : الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله والثاني : في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل، وفي الحديث :(لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله )
[ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ] أي فأعطينا الصالحين من أتباع عيسى الذين ثبتوا على العهد، وآمنوا بمحمد (ص) ثوابهم مضاعفا
[ وكثير منهم فاسقون ] أي وكثير من النصارى، خارجون عن حدود الطاعة، منتهكون لمحارم الله، كقوله تعالى :[ إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ]


الصفحة التالية
Icon