[ وإن الله لعفو غفور ] أي مبالغ في العفو والمغفرة، لمن تاب وأناب، قال في التسهيل : أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور هو الكذب، وإنما جعله كذبا لأن المظاهر يجعل امرأته كأمه، وهي لا تصير كذلك أبدا، والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء : أحدها قوله :[ ما هن أمهاتهم ] فإن ذلك تكذيب للمظاهر، والثاني أنه سماه منكرا والثالث أنه سماه زورا والرابع قوله تعالى :[ وإن الله لعفو غفور ] فإن العفو والمغفرة لا تقع إلا عن ذنب، والذنب مع ذلك لازم للمظاهر، حتى يرفعه بالكفارة.. ثم بين تعالى طريق الكفارة عن هذا القول الشنيع فقال
[ والذين يظاهرون من نسائهم ] أي يظاهرون من زوجاتهم بتشبيههن بالأمهات
[ ثم يعودون لما قالوا ] أي يعودون عما قالوا، ويندمون على ما فرط منهم، ويرغبون في إعادة أزواجهن إليهم
[ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ] أي فعليهم إعتاق رقبة - عبدا كان آو أمة - من قبل أن يعاشر زوجته التى ظاهر منها أو يجامعها، والتماس كناية عن (الجماع ) ودواعيه، من التقبيل واللمس عند الجمهور، قال الخازن : المراد من التماس المجامعة فلا يحل للمظاهر وطء امرأته التى ظاهر منها ما لم يكفر وقال القرطبي : لا يجوز للمظاهر الوطء قبل التكفير، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى، ولا يسقط عنه التكفير، وعن مجاهد تلزمه كفارتان
[ ذلكم توعظون به ] أي ذلكم هو حكم الله فيمن ظاهر، ليتعظ به المؤمنون، حتى تتركوا الظهار ولا تعودوا إليه
[ والله بما تعملون خبير ] أي عالم بظواهر الأمور وبواطنها ومجازيكم بها، فحافظوا على حدود ما شرع لكم من الأحكام
[ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ] أي فمن لم يجد الرقبة التي يعتقها، فعليه صيام شهرين متواليين من قبل الجماع، قال المفسرون : لو أفطر يوما منها انقطع التتابع، ووجب عليه ان يستأنفها
[ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ] أي فمن لم يستطع الصيام لكبر آو مرض، فعليه أن يطعم ستين مسكينا ما يشبعهم
[ ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ] أي ذلك الذي بيناه من أحكام الظهار، من أجل أن تصدقوا بالله ورسوله، في العمل بشرائعه، ولا تستمروا على أحكام الجاهلية
[ وتلك حدود الله ] أي وتلك هي أوامر الله وحدوده فلا تعتدوها
[ وللكافرين عذاب أليم ] أي وللجاحدين والمكذبين بهذه الحدود، عذاب مؤلم موجع، قال الألوسي : أطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا وزجرا.. [ ان الذين يحادون ] لما ذكر تعالى المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر المحادين المخالفين لها، فقال سبحانه
[ إن الذين يحادون الله ورسوله ] أي يخالفون أمر الله ورسوله، ويعادون الله ورسوله، وسمي العداء محادة، لأن كلا من المتعاديين في حد وجهة، غير حد الآخر وجهته، وإنما ذكرت المحادة هنا دون المعاداة والمشاقة، لمناسبة ذكر (حدود الله ) فكان بينهما من حسن الموقع ما لا غاية وراءه
[ كبتوا كما كبت الذين من قبلهم ] أي خذلوا وأهينوا، كما خذل من قبلهم من المنافقين والكفار، الذين حادوا الله ورسله، وأذلوا وأهينوا
[ وقد أنزلنا آيات بينات ] أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات، فيها الحلال والحرام، والفرائض والأحكام
[ وللكافرين عذاب مهين ] أي وللكافرين الذين جحدوها ولم يعملوا بها، عذاب شديد، يهينهم ويذهب عزهم، قال الصاوي : وقد نزلت هذه الآية في كفار مكة يوم الأحزاب، حين أرادوا التحزب على رسول الله (ص) والمقصود بها تسلية رسول الله (ص) وبشارته مع المؤمنين بأن أعداءهم المتحزبين سيذلون ويخذلون، ويفرق جمعهم فلا تخشوا بأسهم
[ يوم يبعثهم الله جميعا ] أي اذكر ذلك اليوم الرهيب، حين يحشر الله المجرمين كلهم في صعيد واحد