[ فينبنهم بما عملوا ] أي فيخبرهم بما ارتكبوا في الدنيا من جرائم وآثام
[ أحصاه الله ونسوه ] أي ضبطه الله وحفظه عليهم في صحائف أعمالهم، بينما هم نسوا تلك الجرائم، لاعتقادهم ان لا حساب ولا جزاء
[ والله على كل شيء شهيد ] أي وهو جل وعلا مطلع وناظر لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه شيء.. ثم بين تعالى سعة علمه، وإحاطته بجميع الأشياء، وأنه تعالى يرى الخلق ويسمع كلامهم ويرى مكانهم، حيث كانوا وأين كانوا، فقال :
[ ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ] أي ألم تعلم أيها السامع العاقل، أن الله مطلع على كل ذرة في الكون، لا ينيب عنه شىء في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى عليه سر ولا علانية، ما يقع من حديث وسر بين ثلاثة أشخاص، إلا كان الله رابعهم بعلمه، ومشاركا لهم فيما يتحدثون ويتهامسون به، في خفية عن الناس.
[ ولا خمسة إلا هو سادسهم ] أي ولا يقع مناجاة وحديث بالسر بين خمسة أشخاص، إلا كان الله معهم بعلمه، حتى يكون هو سادسهم
[ ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ] أي ولا أقل من ذلك العدد ولا أكثر منه، إلا والله معهم يعلم ما يجري بعينهم من حديث ونجوى، والغرض : أنه تعالى حاضر مع عباده، مطلع على أحوالهم وأعمالهم، وما تهجس به أفئدتهم، لا يخفى عليه شيء من أمور العباد، ولهذا ختم الآية بقوله :
[ ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة أن الله بكل شيىء عليم ] أي ثم يخبرهم تعالى بما عملوا من حسن وسيىء ويجازيهم عليه يوم القيامة، لأنه عالم بكل شيء من الأشياء، قال المفسرون : ابتدأ الله هذه الآيات بالعلم بقوله :[ ألم تر أن الله يعلم ] واختتمها بالعلم بقوله :[ إن الله بكل شيء عليم ] لينبه آلى إحاطة علمه جل وعلا بالجزئيات والكليات، وأنه لا يغيب عنه شيء في الكائنات، لأنه قد أحاط بكل شيء علما، قال ابن كثير : وقد حكى غير واحد الاجماع على أن المراد بالمعية في هذه الآية [ إلا هو معهم ] معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، فسمعه مع علمه محيط بهم، وبصره نافذ فيهم، فهو سبحانه مطلع على خلقه لا ينيب عنه من أمورهم شيء.. ثم أخبر تعالى عن أحوال اليهود والمنافقين فقال :
[ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ] قال القرطبى : نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فنزلت
[ ثم يعودون لما نهوا عنه ] أي ثم يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها، قال أبو السعرد : والهمزة [ ألم تر ] للتعجيب من حالهم، وصيغة المضارع [ ثم يعودون ] للدلالة على تكرر عودهم وتجدده، واستحضار صورته العجيبة
[ ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ] أي ويتحدثون فيما بينهم بما هو إثم وعدوان، ومخالفة لأمر الرسول (ص)، لأن حديثهم يدور حول المكر والكيد بالمسلمين، قال أبو حيان بدأ بالإثم لعمومه، ثم بالعدوان لعظمته في النفوس إذ هي ظلامات العباد، ثم ترقى إلى ما هو أعظم وهو معصية الرسول (ص)، وفي هذا طعن على المنافقين إذ كان تناجيهم في ذلك