[ وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ] أي وإذا حضروا عندك يا محمد، حيوك بتحية ظالمة لم يشرعها الله، ولم يأذن فيها، وهي قولهم " السام عليكم " أي الموت عليكم، قال المفسرون : كان اليهود يأتون رسول الله (ص) فيقولون : السام عليكم بدلا من السلام عليكم، والسام الموت وهو ما أرادوه بقولهم، وكان رسول الله (ص)يقول لهم :(وعليكم ) لا يزيد عليها، فسمعتهم عانشة يوما فقالت : بل عليكم السام واللعنة، فلما انصرفوا قال لها رسول الله (ص) : مهلا يا عائشة، إن الله يكره الفحش والتفحش، فقالت يا رسول الله : أما سمعت ما قالوا ؟ فقال لها : أما سمعت ما قلت لهم ؟ أني قلت لهم : وعليكم، فيستجيب الله لي فيهم، ولا يستجيب لهم فى
[ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ] أي ويقولون فيما بينهم : هلا يعذبنا الله بهذا القول لو كان محمد نبيا ؟ فلو كان نبيا حقا لعذبنا الله على هذا الكلام ! قال تعالى ردا عليهم :
[ حسبهم جهنم يصلونها ] أي يكفيهم عذابا أن يدخلوا نار جهنم، ويصلوا حرها
[ فبئس المصير ] أي بئست جهنم مرجعا ومستقرا لهم، قال ابن العربي : كانوا يقولون : لو كان محمد نبيا، لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ! ! وجهلوا أن الباري تعالى حليم، لا يعاجل العقوبة لمن سبه، فكيف من سب نبيه !! وقد ثبت في الصحيح (لا أحد أصبر على الأذى من الله، يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم )، فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم، وفضحا لبواطنهم، وتكريما لرسوله (ص)، وأما إمهالهم في الدنيا فمن كرامته (ص) على ربه، لكونه بعث رحمة للعالمين.. ثم نهى تعالى المؤمنين عن التناجي بما هو إثم ومعصية، فقال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول ] أي إذا تحدثتم فيما بينكم سرا، فلا تتحدثوا بما فيه إثم، كالقبيح من القول، أو بما هو عدوان على الغير، أو مخالفة ومعصية لأمر الرسول (ص)
[ وتناجوا بالبر والتقوى ] أي وتحدثوا بما فيه خير وطاعة وإحسان، قال القرطبى : نهى تعالى المؤمنين أن يتناجوا فيما بينهم كفعل المنافقين واليهود، وأمرهم أن يتناجوا بالطاعة والتقوى، والعفاف عما نهى الله عنه
[ واتقوا الله الذي إليه تحشرون ] أي وخافوا الله بامتثالكم أوامره واجتنابكم نواهيه، الذي سيجمعكم للحساب، ويجازي كلا بعمله
[ إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ] أي ليست النجوى بالإثم والعدوان إلا من تزيين الشيطان، ليدخل بها الحزن على المؤمنين، قال ابن كثير : أي إنما يصدر هذا من المتناجين عن تزيين الشيطان وتسويله
[ وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ] أي وليس هذا التناجي بضار للمؤمنين شيئا، إلا بمشيئة الله وارادته
[ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] أي وعلى الله وحده فليعتمد وليثق المؤمنون، ولا يبالوا بنجوى المنافقين، فإن الله يعصمهم من شرهم وكيدهم، وفي الحديث :(إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه ).
قال الله تعالى :[ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس.. ] إلى قوله [ ألا إن حزب الله هم المفلحون ]. من آية (١١)إلى آية (٢٢) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما نهى تعالى عباده المؤمنين، عما يكون سببا للتباغض والتنافر، أمرهم بما يصير سببا لزيادة المحبة والمودة، وهو التوسع في المجالس، بأن يفسح بعضهم لبعض، ثم حذر من موالاة أعداء الله، وختم السورة الكريمة ببيان أوصاف المؤمنين الكاملين.
اللغة :
[ تفسحوا ] توسعوا يقال : فسح له في المجلس أي وضع له، ومنه مكان فسيح أي واسع