[ وإذا قيل انشزوا فانشزوا ] أي وإذا قيل لكم أيها المؤمنون انهضوا من المجلس، وقوموا لتوسعوا لغيركم، فارتفعوا منه وقوموا (( أورد العلامة ابن كثير عند هذه الآية الكريمة " حكم القيام للقادم " فقال رحمه الله : وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال : فمنهم من رخص في ذلك محتجا بحديث " قوموا إلى سيدكم " ومنهم من منع من ذلك محتجا بحديث " من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار " ومنهم من فصل فقال : يجوز عند القدوم من سفر، وللحاكم في ولايته لقصة سعد بن معاذ، لما استقدمه النبي (ص) ليحكم في بني قريظة، فلما أقبل قال (ص) :" قوموا إلى سيدكم " وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه.. ثم قال : وأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم، وفي السنن أن رسول الله (ص) كان يجلس حيث انتهى به المجلس، ولكن حيث يجلس (ص) يكون هو صدر المجلس )) قال ابن عباس : أي : إذا قيل لكم ارتفعوا فارتفعوا، قال في البحر : أمروا أولا بالتفسح في المجلس، ثم ثانيا بامتثال الأمر فيه إذا أمروا، وألا يجدوا في ذلك غضاضة
[ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ] أي يرفع الله المؤمنين بامتثال أوامره، وأوامر رسوله، والعالمين منهم خاصة أعلى المراتب، ويمنحهم أعلى الدرجات الرفيعة في الجنة، قال ابن مسعود : مدح الله العلماء في هذه الآية ثم قال : يا أيها الناس افهموا هذه الآية، ولترغبكم في العلم فإن الله يقول : يرفع المؤمن العالم فوق المؤمن الذي ليس بعالم درجات، وقال القرطبي : بين في هذه الآية أن الرفعة عند الله بالعلم والإيمان، لا بالسبق إلى صدور المجالس، وفي الحديث :(فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) وقال (ص) :(يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء) فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة، بشهادة رسول الله (ص)
[ والله بما تعملون خبير ] أي خبير بمن يستحق الفضل والثواب ممن لا يستحقه
[ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ] أي إذا أردتم مجادلته سرا
[ فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ] أي فقدموا قبلها صدقة تصدقوا بها على الفقراء، قال الألوسي : وفي هذا الأمر تعظيم لمقام الرسول (ص)، ونفع للفقراء، وتمييز بين المخلص والمنافق، وبين محب الدنيا ومحب الآخرة
[ ذلكم خير لكم وأطهر ] أي تقديم الصدقات قبل مناجاته، أفضل لكم عند الله لما فيه من امتثال أمر الله، وأطهر لذنوبكم
[ فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ] أي فإن لم تجدوا ما تتصدقون به، فإن الله يسامحكم ويعفو عنكم، لأنه لم يكلف بذلك إلا القادر منكم
[ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ] عتاب للمؤمنين رقيق رفيق أي أخفتم أيها المؤمنون الفقر، إذا تصدقتم قبل مناجاتكم للرسول (ص) ؟ والغرض : لا تخافوا فإن الله يرزقكم، لأنه غني بيده خزائن السموات والأرض، وهو عتاب لطيف كما بينا، ثم نسخ تعالى الحكم تيسيرا على المؤمنين، فقال سبحانه :
[ فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ] أي فإذا لم تفعلوا ما أمرتم به وشق ذلك عليكم، وعفا الله عنكم بأن رخص لكم مناجاته من غير تقديم صدقة
[ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ] أي فاكتفوا بالمحافظة على الصلاة ودفع الزكاة المفروضة
[ وأطيعوا الله ورسوله ] أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله في جميع أحوالكم


الصفحة التالية
Icon