[ والله خبير بما تعملون ] أي محيط بأعمالكم ونياتكم، قال المفسرون : نسخ الله ذلك تخفيفا على العباد، حتى قال ابن عباس : ما كان ذلك إلا ساعة من نهار لم نسخ قال القرطبي : نسخت فرضية الزكاة هذه الصدقة، وهذا يدل على جواز النسخ قبل الفعل، وما روي عن على رضي الله عنه أنه قال :" آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا بعدي، كان عندي دينار فتصدقت به ثم ناجيت الرسول (ص) ألخ " فضعيف لأن الله تعالى قال :[ فإذ لم تفعلوا ] وهذا يدل على أان أحدأ لم يتصدق بشيء
[ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ] تعجيب للرسول (ص)من أمر المنافقين، الذين اتخذوا اليهود أصدقاء، أي ألا تعجب يا محمد من حال هؤلاء المنافقين، الذين يزعمون الإيمان، وقد اتخذوا اليهود المغضوب عليهم أولياء، يناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين !! قال الإمام الفخر : كان المنافقون يتولون اليهود، وهم الذين غضب الله عليهم في قوله :[ من لعنه الله وغضب عليه ] وكانوا ينقلون إليهم أسرار المؤمنين
[ ما هم منكم ولا منهم ] أي ليس هؤلاء المنافقون من المسلمين ولا من اليهود، بل هم مذبذبون بين ذلك، كقوله تعالى :[ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ] قال الصاوي : أي ليسوا من المؤمنين الخلص، ولا من الكافرين الخلص، لا ينتسبون إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء
[ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ] أي ويحلفون بالله كاذبين، يقولون : والله إنا لمسلمون، وهم يعلمون أنهم كذبة فجرة، قال ابو السعود : والصيغة مفيدة لكمال شناعة ما فعلوا، فإن الحلف على ما يعلم أنه كذب في غاية القبح
[ أعد الله لهم عذابا شديدا ] أي هيأ لهم تعالى - بسبب نفاقهم - عذابا في نهاية الشدة والألم، وهو الدرك الأسفل في جهنم [ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا ]
[ إنهم ساء ما كانوا يعملون ] أي بئس ما فعلوا وبئس ما صنعوا
[ اتخذوا أيمانهم جنة ] أي جعلوا أيمانهم الكاذبة الفاجرة، وقاية لأنفسهم وسترة لها من القتل، قال في التسهيل : أصل الجنة ما يستتر به، ويتقى به المحذور كالترس، ثم استعمل هنا (بطريق الاستعارة)، لأنهم كانوا يظهرون الإسلام ليعصموا دماءهم وأموالهم
[ فصدوا عن سبيل الله ] أي فمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، بإلقاء الشبهات في قلوب الضعفاء، والمكر والخداع بالمسلمين
[ فلهم عذاب مهين ] أي فلهم عذاب شديد، في غاية الشدة والإهانة
[ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ] أي لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم في الآخرة، ولن تدفع عنهم شيئا من عذاب الله
[ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] أي هم أهل النار لا يخرجون منها أبدا
[ يوم يبعثهم الله جميعا ] أي يحشرهم يوم القيامة جميعا، للحساب والجزاء
[ فيحلفون له كما يحلفون لكم ] أي فيحلفون لله تعالى كما يحلفون لكم اليوم في الدنيا كذبا أنهم مسلمون، قال ابن عباس : هو قولهم :[ والله ربنا ما كنا مشركين ]
[ ويحسبون أنهم على شيء ] أي يظنون أن حلفهم في الآخرة، ينفعهم وينجيهم من عذابها، كما نفعهم في الدنيا بدفع القتل عنهم، قال أبو حيان : والعجب منهم كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على علام الغيوب، وبجرونه مجرى المؤمنين، في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم، والمقصود أنهم تعودوا الكذب حتى كان على ألسنتهم في الآخرة، كما كان في الدنيا
[ ألا إنهم هم الكاذبون ] أي ألا فانتبهوا أيها الناس، إن هؤلاء هم البالغون في الكذب الغاية القصوى، حيث تجاسروا على الكذب في الموقف العصيب، بين يدي علام الغيوب
[ استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ] أي استولى على قلوبهم الشيطان وغلب عليهم، وتملك نفوسهم حتى أنساهم أن يذكروا ربهم


الصفحة التالية
Icon