[ ليسأل الصادقين عن صدقهم ] أي ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الصادقين، عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قال الصاوى : والحكمة في سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم، هو التقبيح على الكفار يوم القيامة، وتبكيتهم، وقال القرطبي : وفى الآية تنبيه على أن الأنبياء إذا كانوا يسألون يوم القيامة فكيف بمن سواهم ؟ وفائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى لعيسى :[ أأنت قلت للناس آتخذوني وأمي آلهين ] ؟
[ وأعد للكافرين عذابا أليما ] أي وأعد الله للكافرين عذابا مؤلما موجعا، بسبب كفرهم وإعراضهم عن قبول الحق.. لم شرع تعالى في ذكر (غزوة الأحزاب ) وما فيها من نعم فائضة، وآيات باهرة للمؤمنين ققال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ] أي اذكروا فضله وإنعامه عليكم
[ إذ جاءتكم جنود ] أي وقت مجيء جنود الأحزاب وتألبهم عليكم، قال أبو السعود : والمراد بالجنود " الأحزاب " وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة، وبنى النضير، وكانوا زهاء اثني عشر ألفا، فلما سمع رسول الله (ص) بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة، بإشارة " سلمان الفارسي " ثم خرج في ثلالة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندق بينه وبين المشركين، واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين، حتى قال " معتب بن قشير " : يعدنا محمد كنوز (كسرى) و(قيصر) ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط ! !
[ فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ] آي فأرسلنا على الأحزاب ريحا شديدة، وجنودا من الملائكة لم تروهم، وكانوا قرابة ألف، قال المفسرون : بعث الله عليهم ريحا عاصفا، وهي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد والظلمة، فقلعت بيوتهم، وكفأت قدورهم، وصارت تلقي الرجل على الأرض، وأرسل الله الملائكة فزلزلتهم - ولم تقاتل - بل ألقت في قلوبهم الرعب
[ وكان الله بما تعملون بصيرا ] أي وهو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، والثبات على معاونة النبي (ص) في ذلك الوقت
[ إذ جاءوكم من فوقكم ] أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي، يعني من أعلاه قبل المشرق، ومنه جاءت أسد وغطفان
[ ومن أسفل منكم ] أي ومن لأسفل الوادي يعني أدناه قبل المغرب، ومنه جاءت قريش وكنانة وأوباش العرب، والغرض أن المشركين جاءوهم من جهة المشرق والمغرب، وأحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، وأعانهم يهود (بني قريظة) فنقضوا العهد مع الرسول، وانضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، وعظم البلاء، ولهذا قال تعالى
[ وإذ زاغت الأبصار ] أي وحين مالت الأبصار عن سننها ومستوى نظرها حيرة وشخوصا لشدة الهول والرعب
[ وبلغت القلوب الحناجر ] أي زالت عن أماكنها من الصدور، حتى كادت تبلغ الحناجر، وهذا تمثيل لشدة الرعب والفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إلى حنجرته، من شدة ما يلاقي من الهول
[ وتظنون بالله الظنونا ] أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصرى : ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون، وظن المؤمنون أنهم ينصرون، فالمؤمنون ظنوا خيرا، والمنافقون ظنوا شرا، وقال ابن عطية : كاد المؤمنون يضطربون ويقولون : ما هذا الخلف للوعد ؟ وهذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين، لا يمكن للبشر دفعها، وأما المناققون فتعجلوا ونطقوا وقالوا : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا
[ هنالك ابتلي المؤمنون ] أي فى ذلك الزمان والمكان امتحن المؤمنون واختبروا، ليتميز المخلص الصادق من المناقق، قال القرطبي : وكان هذا الإبتلاء بالخوف والقتال، والجوع والحصر والنزال


الصفحة التالية
Icon