[ وزلزلوا زلزالا شديدا ] أي وحركوا تحريكا عنيفا من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم، وتضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي : وأصل الزلزلة شدة التحريك وهو هنا عبارة عن اضطراب القلوب وتزعزعها
[ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ] أي واذكر حين يقول المنافقون، والذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإيمان لم يخالط قلوبهم
[ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ] أي ما وعدنا الله ورسوله إلا باطلا وخداعا، قال الصاوي : والقائل هو " معتب بن قشير " الذي قال : يعدنا محمد بفتح فارس والروم، وأحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا، ما هذا إلا وعد غرور، يغرنا به محمد
[ وإذ قالت طائفة منهم ] أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين وهم : أوس بن قيظي وأتباعه، وأبن ابن سلول وأشياعه
[ يا أهل يثرب لا مقام لكم ] أي يا أهل المدينة لا قرار لكم ههنا ولا إقامة
[ فارجعوا ] أي فارجعوا إلى منازلكم واتركوا محمدا وأصحابه
[ ويستأذن فريق منهم النبي ] ويستأذن جماعة من المنافقين النبي (ص) في الانصراف متعللين بعلل واهية
[ يقولون إن بيوتنا عورة ] أي غير حصينة فنخاف عليها العدو والسراق
[ وما هي بعورة ] تكذيب من الله تعالى لهم، أي ليس الأمر كما يزعمون
[ إن يريدون إلا فرارا ] أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول (ص) إلا الهرب من القتال، والفرار من الجهاد، والتعبير بالمضارع [ ويستأذن ] لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن وهم يستأذنون رسول الله (ص) ثم فضحهم تعالى وبين كذبهم ونفاقهم، فقال :
[ ولو دخلت عليهم من أقطارها ] أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين، من جميع نواحي المدينة وجوانبها
[ ثم سئلوا الفتنة لآتوها ] أي ثم طلب إليهم أن يكفروا، وأن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم
[ وما تلبثوا بها إلا يسيرا ] أي لفعلوا ذلك مسرعين، ولم يتأخروا عنه برهة، لشدة فسادهم، وذهاب الإيمان من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإيمان، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، وهذا ذم لهم في غاية الذم
[ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الإبار ] أي ولقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود والمواثيق، من قبل غزوة الخندق، وبعد بدر إلا يفروا من القتال
[ وكان عهد الله مسئولا ] أى وكان هذا العهد منهم جديرا بالوفاء، لأنهم سيسألون عنه، وفيه تهديد ووعيد، قال قتادة : لما غاب المنافقون عن بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والنصر، قالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتل
[ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ] أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعا في البقاء وحرصا على الحياة : إن فراركم لن يطول أعماركم، ولن يؤخر آجالكم، ولن يدفع الموت عنكم أبدا
[ وإذا لا تمتعون إلا قليلا ] أي ولئن هربتم وفررتم، فإذا لا تمتعون بعده إلا زمنا يسيرا، لأن الموت ماس كل حي، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
[ قل من ذا الذي يعصمكم من الله ] أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى
[ إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ] أي إن قدر هلاككم ودماركم، أو قدر بقاءكم ونصركم ؟
[ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ] أي وليس لهم من دون الله مجير ولا مغيث، فلا قريب ينفعهم، ولا ناصر ينصرهم
[ قد يعلم الله المعوقين منكم ] أي لقد علم الله تعالى أمر أولئك المنافقين، المثبطين للعزائم، الذين يعوقون الناس عن الجهاد، ويصدونهم عن القتال
[ والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ] أى والذين يقولون لإخوانهم في الكفر والنفاق : تعالوا إلينا، واتركوا محمدا وصحبه يهلكوا، ولا تقاتلوا معهم، قال تعالى :