[ يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ] أي يهدمون بيوتهم بأيديهم من الداخل، وأيدي المؤمنين من الخارج، قال المفسرون : كان بنو النضير قبل إجلائهم عن ديارهم، يخربون بيوتهم، فيقلعون العمد، وينقضون السقوف، وينقبون الجدران، لئلا يسكنها المؤمنون، حسدا منهم وبغضا، وكأن المسلمون يخربون سائر الجوانب من ظاهرها، ليقتحموا حصونهم
[ فاعتبروا يا أولي الأبصار ] أي فاتعظوا بما جرى عليهم يا ذوي العقول والألباب
[ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ] أي ولولا أن الله تعالى قضى عليهم بالخروج من أوطانهم مع الأهل والأولاد
[ لعذبهم في الدنيا ] أي لعذبهم في الدنيا بالسيف، كما فعل بإخوانهم من بني قريظة
[ ولهم في الآخرة عذاب النار ] أي ولهم مع عذاب الدنيا، عذاب جهنم المؤبد
[ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ] أي ذلك الجلاء والعذاب، بسبب أنهم خالفوا الله وعادوه، وعصوا أمره، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم، ونقض للعهود في حق رسوله
[ ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ] أي ومن يخالف أمر الله، ويعادي دينه، فالله ينتقم منه، لأن عذابه شديد، وعقابه أليم [ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ].. ثم أخبر تعالى أن كل ما جرى من المؤمنين من قطع النخيل، وإحراق بعض الأشجار المثمرة، فإنما كان بأمر الله وإرادته، فقال سبحانه :
[ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ] أي ما قطعتم أيها المؤمنون من شجرة نخيل، أو تركتموها كما كانت قائمة على سوقها، فبأمر الله وإرادته ورضاه
[ وليخزي الفاسقين ] أي وليغيظ اليهود ويذلهم، بقطع أشجارهم ونخيلهم، قال الرازي : المعنى إنما أذن تعالى في ذلك، حتى يزداد غيظ الكفار، وتتضاعف حسرتهم، بسبب نفاذ حكم أعدائهم أعز أموالهم قال المفسرون : لما حاصر رسول الله (ص)بني النضير، كان بعض الصحابة قد شرع يقطع ويحرق في نخيلهم، إهانة لهم، وإرعابا لقلوبهم، فقالوا : ما هذا الإفساد يا محمد ؟ إنك كنت تنهى عن الفساد، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة
[ وما أفاء الله على رسوله منهم ] أي وما أعاد الله ورده غنيمة على رسوله، من أموال يهود بني النضير
[ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ] أي لم تسيروا إليه خيلكم ولا ركابكم، ولا تعبتم في تحصيله، قال القرطبي : يقال : وجف البعير وجيفا إذا أسرع السير، وأوجفه صاحبه إذا حمله على السير السريع، والركاب : ما يركب من الإبل، والمعنى : لم تقطعوا إليها شقة، ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة، وإنما كانت من المدينة على بعد ميلين، فافتتحها رسول الله (ص) صلحا، وأجلاهم عنها وأخذ أموالهم، فجعلها الله لرسوله (ص)خاصة، يضعها حيث شاء
[ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ] أي ولكنه تعالى من سنته أن ينصر رسله، بقذف الرعب في قلوب أعدائه، من غير أن يقاسوا شدائد الحروب
[ والله على كل شيء قدير ] أي هو تعالى قادر على كل شيء، لا يغالب ولا يمانع ولا يعجزه شيء.. ثم بين تعالى حكم الفيء عامة - وهو ما يغنمه المسلمون بدون حرب - فقال :
[ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ] أي ما جعله الله غنيمة لرسوله بدون قتال من أموال الكفار، قال ابن عباس : هي (قريظة، والنضير، وفدك، وخيبر)
[ فلله وللرسول ] أي فحكمها أنها لله تعالى، يضعها حيث يشاء، ولرسوله يصرفها على نفسه وعلى مصالح المسلمين
[ ولذي القربى واليتامى والمساكين ] أي ولأقرباء الرسول من بني هاشم وعبد المطلب، ولليتامى الذين مات آباؤهم، وللمساكين ذوي الحاجة والفقر


الصفحة التالية
Icon