[ وابن السبيل ] أي وللغريب المنقطع في سفره، قال في التسهيل : لا تعارض بين هذه الآية وبين آية الأنفال، فإن آية الأنفال في حكم الغنيمة التي تؤخذ بالقتال، وإيجاف الخيل والركاب، قتلك يؤخذ منها الخمس ويقسم الباقي على الغانمين، وأما هذه ففي " حكم الفيء " وهو ما يؤخذ من الكفار من غير قتال فلا تعارض بينهما ولا نسخ، وقد قرر الفقهاء الفرق بين الغنيمة والفىء، وأن حكمهما مختلف، فالغنيمة ما أخذت بالقتال، والفيء ما أخذ صلحا، وانظر كيف ذكر هنا لفظ الفيء [ ما أفاء الله على رسوله ] وذكر في الأنفال لفظ الغنيمة [ واعلموا أنما غنمتم من شيء ] !!
[ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ] أي لئلا ينتفع بهذا المال ويستأثر به الأغنياء بينهم دون الفقراء، مع شدة حاجة الفقراء للمال، قال القرطبي : أي فعلنا ذلك كيلا يتقاسمه الرؤساء والأغنياء، دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه - وهو المرباع - ثم يصطفى منها أيضا ما يشاء قال المفسرون : أن رسول الله (ص) قسم أموال بني النضير على المهاجرين، فإنهم كانوا حينئذ فقراء، ولم يعط الأنصار منها شيئا، فإنهم كانوا أغنياء، فقال بعض الأنصار : لنا سهمنا من هذا الفيء فأنزل الله هذه الآية
[ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ] أي ما أمركم به الرسول (ص)فافعلوه، وما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بكل خير وصلاح، وينهى عن كل شر وفساد، قال المفسرون : والآية وإن نزلت في أموال الفىء، إلا أنها عامة في كل ما أمر به النبى (ص) أو نهى عنه، من (واجب، أو مندوب، أو مستحب، أو محرم )، فيدخل فيها الفيء وغيره عن ابن مسعود أنه قال :(لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ) فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها " أم يعقوب " - وكانت تقرأ القرآن - فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا! ! وذكرته له، فقال ابن مسعود : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله (ص)وهو في كتاب الله تعالى ؟ فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ! فقال : إن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت قول الله عز وجل [ وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا ] ؟ (( أخرجه البخاري ومسلم، قال العلماء : الوشم هو غرز العضو من الإنسان بالإبرة ثم يحشى بكحل، والمستوشمة هى التي تطلب أن يفعل بها ذلك، والنامصة هي التي تنتف الشعر من الوجه، والمتفلجة هي التي تتكلف تفريج ما بين أسنانها من أجل الحسن، وكل ذلك منهى عنه، لأن فيه تغييرا لخلق الله، وهو من دسائس الشيطان )).
[ واتقوا الله ] أى خافوا ربكم، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه
[ إن الله شديد العقاب ] أي فإن عقابه أليم، وعذابه شديد، لمن عصاه، وخالف أمره
[ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ] هذا متعلق بما سبق من حكم الفيء، كأنه يقول : الفيء والغنائم لهؤلاء الفقراء المهاجرين، الذين ألجأهم كفار مكة إلى الهجرة من أوطانهم، فتركوا الديار والأموال، ابتغاء مرضاة الله ورضوانه
[ وينصرون الله ورسوله ] أي قاصدين بالهجرة إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه
[ أولئك هم الصادقون ] أي هؤلاء الموصوقون بالصفات الحميدة، هم الصادقون في إيمانهم، قال قتادة : هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال، والأهلين والأوطان، حبا لله ورسوله، حتى إن الرجل منهم كان يعصب الحجر على بطنه، ليقيم به صلبه من الجوع.. ثم مدح تعالى الأنصار وبين فضلهم وشرفهم، فقال سبحانه :


الصفحة التالية
Icon