[ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ] أي والذين اتخذوا المدينة منزلا وسكنا، وآمنوا قبل هجرة النبي (ص)إلى المدينة، وهم الأنصار، قال القرطبي : أي تبوءوا الدار من قبل المهاجرين، واعتقدوا الإيمان وأخلصوه، والتبوء : التمكن والاستقرار، وليس يريد أن الأنصار آمنوا قبل المهاجرين، بل أراد آمنوا قبل هجرة النبي (ص)إليهم
[ يحبون من هاجر إليهم ] إي يحبون إخوانهم المهغجرين، ويواسونهم بأموالهم، حتى إن أحدهم كان يقسم ماله بينه وبين أخيه من المهاجرين نصفين، ويقول له : هذا نصف مالي لك !! قال الخازن : وذلك أنهم أنزلوا المهاجرين في منازلهم، وأشركوهم في أموالهم
[ ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ] أي ولا يجد الأنصار، حزازة وغيظا وحسدا مما أعطي المهاجرون من الغنيمة دونهم، قال المفسرون : أن رسول الله (ص) قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة منهم، فطابت أنفس الأنصار بتلك القسمة
[ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ] أي يفضلون غيرهم بالمال على أنفسهم، ولو كانوا في غاية الحاجة والفاقة إليه، فإيثارهم ليس عن غنى عن المال، ولكنه عن حاجة وفقر، وذلك غاية الإيثار
[ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ] اي ومن حماه الله وسلم من البخل، فقد أفلح ونجح، والشحخ هو البخل الشديد، مع الجشع والطمع، وهو غريزة في النفس ولذلك أضيف إليها، قال ابن عمر : ليس الشح أن يمنع الرجل ماله، إنما الشح أن تطمع عينه فيما ليس له وفي الحديث :" واتقوا الشح فإن الشح أاهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم "
[ والذين جاءو من بعدهم ] هذا هو الصنف الثالث من المؤمنين، المستحقين للإحسان والفضل، وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة
[ يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ] أي يدعون لإخوانهم قائلين : يا ربنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين، الذين سبقونا بالإيمان، قال أبو السعود : وصفوهم بالسبق بالإيمان اعترافا بفضلهم، لأن اخوة الدين عندهم أعز وأشرف من النسب
[ ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ] أي ولا تجعل في قلوبنا بغضا وحسد لأحد من المؤمنين
[ ربنا إنك رءوف رحيم ] أي مبالغ في الرأفة والرحمة فاستجب دعاءنا، قال ابن كثير : وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة، أن الرافضى الذي يسمى الصحابة، ليس له في مال الغنيمة شيء، لعدم اتصافه بأوصاف المؤمنين، وقال شبخ زاده : بين تعالى أن من شأن من جاء من بعد المهاجرين والأنصار، أن يذكر السابقين بالرحمة والدعاء، فمن لم يكن كذلك بل ذكرهم بسوء، فقد كان خارجا عن جملة أقسام المؤمنين، بمقتضى هذه الآيات، وقد روي عن الشعبي أنه قال :(تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود : من خير أهل ملتكم ؟ فقالوا أصحاب موسى وسئلت النصارى فقالوا : أصحاب عيسى، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم ؟ فقالوا : أصحاب محمد (ص) أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة) اللهم ارزقنا محبة أصحاب نبيك الكريم يا أرحم الراحمين.
قال الله تعالى :[ ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم.. ] إلى قوله [ وهو العزيز الحكيم ]. من آية (١١)إلى آية (٢٤) نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى أوصاف المؤمنين الصادقين، أعقبه بذكر أوصاف المنافقين المخادعين، الذين تركوا نصرة المؤمنين، وصادقوا اليهود وحالفوهم على حرب المسلمين، ثم ذكر البون الشاسع بين أصحاب النار وأصحاب الجنة، وأنهم لا يستوون في الحال ولا المال، وختم السورة الكريمة بذكر بعض أسماء الله الحسنى، وصفاته العليا.
اللغة :


الصفحة التالية
Icon