[ وودوا لو تكفرون ] أي وقد تمنوا أن تكفروا لتكونوا مثلهم، قال الزمخشري : وإنما أورده بذكر الماضي [ وودوا ] بعد أن ذكر جواب الشرط بلفظ المضارع [ لو تكفرون ] لأنهم أرادوا كفرهم قبل كل شيء كقوله تعالى :[ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ]
[ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ] أي لن تفيدكم قراباتكم ولا أولادكم، الذين توالون الكفار من أجلهم، يوم القيامة شيئا، فلن يجلبوا لكم نفعا، ولن يدفعوا عنكم ضرا، قال الصاوي : هذا تخطئة لحاطب في رأيه، كأنه قال : لا تحملكم قراباتكم وأولادكم الذين بمكة، على خيانة رسول الله (ص) والمؤمنين، ونقل أخبارهم وموالاة أعدائهم، فإنه لا تنفعكم الأرحام ولا الأولاد، الذين عصيتم الله من أجلهم
[ يوم القيامة يفصل بينكم ] أي في ذلك اليوم العصيب، يحكم الله بين المؤمنين والكافرين، فيدخل المؤمنين جنات النعيم، ويدخل المجرمين دركات الجحيم
[ والله بما تعملون بصير ] أي مطلع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها
[ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ] أي قد كان لكم يا معشر المؤمنين قدوة حسنة، في الخليل إبراهيم ومن معه من المؤمنين
[ إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ] أي حين قالوا للكفار إننا متبرءون منكم ومن الأصنام التي تعبدونها من دون الله
[ كفرنا بكم ] أي كفرنا بدينكم وطريقتكم
[ وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ] أي وظهرت بيننا وبينكم العداوة والبغضاء إلى الأبد، ما دمتم على هذه الحالة
[ حتى تؤمنوا بالله وحده ] أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده، وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك والأوثان، قال المفسرون : أمر الله المؤمنين أن يقتدوا بإبراهيم الخليل عليه السلام، وبالذين معه قي عداوة المشركين، والتبرؤ منهم، لأن الإيمان يقتضى مقاطعة أعداء الله وبغضهم
[ إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ] أي إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فلا تقتدوا به، فإنه إنما استغفر لأبيه المشرك رجاء إسلامه [ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ]
[ وما أملك لك من الله من شيء ] هذا من تتمة كلام إبراهيم لأبيه، أي ما أدفع عنك من عذاب الله شيئا، إن أشركت به، ولا أملك لك شيئا غير الاستغفار
[ ربنا عليك توكلنا ] أي عليك اعتمدنا في جميع أمورنا
[ وإليك أنبنا ] أي وإليك رجعنا وتبنا
[ وإليك المصير ] أي وإليك المرجع والمعاد في الدار الآخرة، قال المفسرون : إن إبراهيم وعد أباه بالاستغفار كما في سورة مريم قال :[ سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ] واستغفر له بالقول فعلا، كما في سورة الشعراء [ واغفر لأبي إنه كان من الضالين ] وكل هذا كان رجاء إسلامه، ثم رجع عن ذلك لما تيقن كفره، كما في سورة التوبة [ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ]
[ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ] أي لا تسلطهم علينا، فيفتنونا عن ديننا بعذاب لا نطيقه وقال مجاهد : أي لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك، فيقولوا : لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ذلك
[ واغفر لنا ] أي اغفر لنا ما فرط من الذنوب
[ ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ] أي أنت يا الله الغالب، الذي لا يذل من التجأ إليه، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه الخير والمصلحة، وتكرار النداء [ ربنا ] للمبالغة في التضرع والجؤار.
[ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ] أي لقد كان لكم في إبراهيم ومن معه من المؤمنين، قدوة حسنة في التبرؤ من الكفار، قال أبو السعود : والتكرير للمبالغة في الحث على الاقتداء به عليه السلام، ولذلك صدر بالقسم
[ لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ] أي لمن كان يرجو ثواب الله تعالى، ويخاف عقابه في الآخرة