[ ومن يتول فإن الله هو الغنى الحميد ] أي ومن يعرض عن الإيمان وطاعة الرحمن، فإن الله مستغني عن أمثاله، وعن الخلق أجمعين، وهو المحمود في ذاته وصفاته
[ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ] أي لعل الله جك وعلا، يجعل بينكم وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم المشركين، محبة ومودة، محبة بعد البغضاء، وألفة بعد الشحناء، قال في التسهيل : لما أمر الله المسلمين بعداوة الكفار ومقاطعتهم، على ما كان بينهم وبين الكفار من القرابة والمودة، وعلم الله صدقهم آنسهم بهذه الآية، ووعدهم بأن يجعل بينهم [ مودة ] أي محبة، وهذه المودة كملت في فتح مكة فإنه أسلم حينئذ سائر قريش، وجمع الله الشمل بعد التفرق، وقال الرازي : و " عسى " وعد من الله تعالى، وقد حقق تعالى ما وعدهم به من اجتماع كفار مكة بالمسلمين، ومخالطتهم لهم حين فتح مكة
[ والله قدير ] أي قادر لا يعجزه شيء، يقدر على تقليب القلوب، وتغيير الأحوال
[ والله غفوز رحيم ] أي مبالغ في المغفرة والرحمة، لمن تاب إليه وأناب
[ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ] أي لا ينهاكم عن البر بهؤلاء، الذين لم يحاربوكم لأجل دينكم، ولم يخرجوكم من أوطانكم كالنساء والصبيان، ولفظة [ أن تبروهم ] في موضع جر بـ " عن " أي لا ينهاكم جل وعلا عن البر والإحسان لهؤلاء
[ وتقسطوا إليهم ] أي تعدلوا معهم
[ إن الله يحب المقسطين ] أي يحب العادلين في جميع أمورهم وأحكامهم قأل ابن عباس : نزلت في خزاعة، وذلك أنهم صالحوا رسول الله (ص)على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا، فرخص الله في برهم والإحسان إليهم ).. وروي عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : قدمت أمي - وهي مشركة - في عهد قريش حين عاهدوا رسول الله (ص)- تعني في صلح الحديبية - فأتيت رسول الله (ص) فقلت يا رسول الله : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم صلى أمك - أي أكرميها وأحسني معاملتها - فأنزل الله [ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين.. ] الآية
[ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ] أي إنما ينهاكم الله عن صداقة ومودة الذين ناصبوكم العداوة، وقاتلوكم لأجل دينكم، وأعانوا أعداءكم على إخراجكم من دياركم، أن تتولوهم قتتخذوهم أولياء وأنصارا وأحبابا
[ ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ] أي ومن يصادق أعداء الله ويجعلهم أنصارا وأحبابا، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب
[ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ] أي اختبروهن لتعلموا صدق إيمانهن، قال المفسرون : كان صلح الحديبية الذي جرى بين رسول الله (ص) وكفار مكة، قد تضمن أن من أتى أهل مكة من المسلمين لم يرد إليهم، ومن أتى المسلمين من أهل مكة - يعني المشركين - رد إليهم، فجاءت " أم كلثوم " بنت (عقبة بن أبي فعيط ) مهاجرة إلى رسول الله (ص)، فخرج في أثرها أخواها " عمارة " و " الوليد " فقالوا للنبي (ص) : ردها علينا بالشرط، فقال (ص) : كان الشرط في الرجال لا في النساء، فأنزل الله الآية، قال ابن عباس : كانت المرأة تستحلف أنها ما هاجرت بغضا لزوجها، ولا طمعا في الدنيا، وأنها ما خرجت إلا حبا لله ورسوله، ورغبة في دين الإسلام
[ الله أعلم بإيمانهن ] أي الله أعلم بصدقهن في دعوى الإيمان، لأنه تعالى المطلع على قلوبهن، والجملة اعتراضية لبيان أن هذا الامتحان بالنسبة للمؤمنين، وإلا فالله عالم بالسرائر، لا تخفى عليه خافية
[ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ] أي فإن تحققتم إيمانهن بعد امتحانهن، فلا تردوهن إلى أزواجهن الكفار


الصفحة التالية
Icon