[ ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ] أي وجئت لأبشركم ببعثة رسول يأتى بعدي، يسمى " أحمدا " قال الألوسي : وهذا الاسم الكريم علم لنبينا محمد (ص)كما قال حسان : صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك " أحمد " وفي الحديث :" لي خمسة أسماء : أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا العاقب ) ومعنى العاقب الذي لا نبى بعده، وروي أن الصحابة قالوا : يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك ! فقال :(أنا دعوة أبى إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي، كأنه خرج منها نور، أضاءت له قصور الشام )
[ فلما جاءهم بالبينات ] أي فلما جاءهم عيسى بالمعجزات الواضحات، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه - الأعمى - والأبرص، ونحو ذلك من المعجزات الدالة على صدقه في دعوى الرسالة (( هذا هو الظاهر أن الضمير يعود على " عيسى " لأنه المحدث عنه، وقيل : يعود على " أحمد " الذي بشروا به، والأول اختيار البيضاوي والألوسي وصاحب البحر المحيط، وهو الأظهر )).
[ قالوا هذا سحر مبين ] أي قالوا عن عيسى : هذا ساحر، جاءنا بهذا السحر الواضح، والإشارة بقولهم " سحر، إلى المعجزات التي ظهرت على يديه عليه السلام، قال المفسرون : بشر كل نبي قومه بنبينا محمد (ص)، وإنما إفرد تعالى ذكر " عيسى " بالبشارة في هذا الموضع، لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل، وآخر نبي قبل نبينا (ص)، فبين تعالى أن البشارة به، عمت جميع الأنبياء، واحدا بعد واحد، حتى انتهت إلى عيسى عليه السلام آخر أنبياء بني إسرائيل
[ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام ] استفهام بمعنى النفي أي لا أحد أظلم ممن يدعوه ربه إلى الإسلام، على لسان نبيه، فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على الله، بتسمية نبيه ساحرا، وتسمية آيات الله المنزلة سحرا
[ والله لا يهدي القوم الظالمين ] أي لا يوفق ولا يرشد إلى الفلاح والهدى من كان فاجرا ظالما
[ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ] أي يريد المشركون بأن يطفئوا دين الله، وشرعه المنير بأفواههم، قال الفخر الرازي : وإطفاء نور الله تعالى تهكم بهم، في إرادتهم إبطال الإسلام، بقولهم في القرآن : إنه سحر، شبهت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، وفيه تهكم وسخرية بهم لاذعة
[ والله متم نوره ] أي والله مظهر لدينه، بنشره في الآفاق، وإعلائه على الأديان، كما جاء في الحديث :(إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها... الحديث (( جزء من حديث طويل أخرجه مسلم، ومعنى " زوى الأرض " أي جمعها حتى رآها صلوات الله عليه، ورأى مشارق الأرض ومغاربها )). والمراد أن هذا الدين سينتشر في مشارق الدنيا ومغاربها
[ ولو كره الكافرون ] أي ولو كره ذلك الكافرون المجرمون، فإن الله سيعز شأن هذا الدين، رغم أنف الكافرين !! كان كفار مكة يكرهون هذا الدين الحق، من أجل توغلهم في الشرك والضلال، فكان المناسب إذلالهم وإرغامهم، بإظهار ما يكرهونه من الحق، وليس المراد من إظهاره، ألا يبقى في العالم من يكفر بهذا الدين، بل المراد أن يكون أهله عالين، غالبين على سائر أهل الأديان، بالحجة والبرهان، والسيف واللسان، إلى آخر الزمان
[ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ] أي هو جل وعلا بقدرته وحكمته بعث رسوله محمدا (ص)بالقرآن الواضح، والدين الساطع
[ ليظهره على الدين كله ] أي ليعليه على سائر الأديان المخالفة له، من يهودية، ونصرانية وغيرهما