[ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ] أي انصروا دين الله وأعلوا مناره
[ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين ] أي كما نصر الحواريون دين الله، حين قال لهم عيسى ابن مريم
[ من أنصاري إلى الله ] أي من ينصرني ؟ ويكون عوني لتبليغ دعوة الله، ونصرة دينه
[ قال الحواريون نحن أنصار الله ] أي قال أتباع عيسى - وهم المؤمنون الخلص المستجيبون لدعوته - نحن أنصار دين الله، قال الببضاوي : والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به، مشتق من الحور وهو البياض، وكانوا اثنى عشر رجلا وقال الرازي : والتشبيه في الآية محمول على المعنى أي كونوا أنصار الله، كما كان الحواريون أنصار الله
[ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ] أي فانقسم بنو إسرائيل إلى جماعتين : جماعة آمنت به وصدقته، وجماعة كفرت وكذبت برسالة عيسى
[ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ] أي فقوينا المؤمنين على أعدائهم الكافرين
[ فأصبحوا ظاهرين ] أي حتى صاروا غالبين عليهم بالحجة والبرهان، قال ابن كثير : لما بلغ عيسى ابن مريم رسالة ربه، اهتدت طائفة من بني إسرائيل، بما جاءهم به، وضلت طائفة فجحدوا نبوته، ورموه وأمه بالعظائم، وهم اليهود عليهم لعنة الله، وغلت فيه طائفة من أتباعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة، وافترقوا فيه فرقا وشيعا، فمنهم من زعم أنه ابن الله، ومنهم من قال إنه ثالث ثلاثة " الأب والابن وروح القدس " ومنهم من قال : إن عيسى هو (الله) - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- فنصر الله المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى.
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يأتي :
١ - أسلوب التوبيخ [ لم تقولون ما لا تفعلون ] ؟ وهي " ما " الاستفهامية حذفت ألفها تخفيفا، والغرض من الاستفهام التوبيخ.
٢ - الإطناب بتكرار ذكر اللفظ لبيان غاية قبح ما فعلوه [ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ] وبين [ تقولو ا.. وتفعلوا ] طباق.
٣ - التشبيه المرسل المفضل [ كأنهم بنيان مرصوص ] أي في المتانة والتراص.
٤ - الاستعارة اللطيفة [ يريدون ليطفئوا نور الله ] استعار نور الله لدينه وشرعه المنير، وشبه من أراد إبطال الدين بمن أراد إطفاء الشمس بفمه الحقير، على طريق الاستعارة التمثيلية، وهذا من لطيف الاستعارات.
٥ - الاستفهام للترغيب والتشويق [ هل أدلكم على تجارة ] ؟.
٦ - الطباق بين [ فآمنت طائفة.. وكفرت طانفة ].
٧ - السجع المرصع كأنه حبات در، منظومة في سلك واحد مثل [ والله لا يهدي القوم الفاسقين ] [ قالوا هذا سحر مبين ] [ وبشر المؤمنين ] وهو من المحسنات البديعية.
تنبيه :
إنما قرنت قصة موسى وعيسى في هذه السورة لأنهما من أنبياء بنى إسرائيل، وهما من أعظم أنبيائهم، ومن أولي العزم الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز بالثناء والتبجيل [ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ].