[ وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ] أي وقد كانوا قبل إرسال محمد (ص)إليهم، لفي ضلال كبير واضح، عن النهج القويم، والصراط المستقيم، قال ابن كثير : بعث الله محمدا (ص) على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، فقد كان العرب متمسكين بدين إبراهيم الخليل، فبذلوه وغيروه، واستبدلوا بالتوحيد شركا، وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك كان أهل الكتاب قد بذلوا كتبهم وحرفوها، فبعث الله محمدا (ص) بشرع عظيم، شامل كامل، فيه الهداية والبيان لكل ما يحتاج الناس إليه، من أمر معاشهم ومعادهم، وجمع له تعالى جميع المحاسن، وأعطاه ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين
[ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ] أي وبعث الرسول إلى قوم آخرين، لم يكونوا في زمانهم، وسيجيئون بعدهم، وهم جميع من أسلم إلى يوم القيامة، قال الصاوي : والمعنى أنه بعث إلى المؤمنين الموجودين في زمانه، وإلى الآتين منهم بعدهم، فليست رسالته خاصة بمن كان موجودا في زمانه، بل هى عامة لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة، وفي الحديث عن أبي هريرة قال :(كنا جلوسا عند النبي (ص)فأنزلت عليه سورة الجمعة [ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ] قالوا : من هم يا رسول الله ؟ - قال : وفينا سلمان الفارسي - فوضع رسول الله (ص)يده على سلمان، ثم قال :(لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) قال مجاهد : في تفسير الآية : هم الأعاجم وكل من صدق النبى (ص)من غير العرب
[ وهو العزيز الحكيم ] أي القوي الغالب في ملكه، الحكيم في صنعه
[ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ] أي ذلك الشرف الذي امتاز به سيد البشر، وهو كونه مبعوثا إلى كافة الناس، وما شرف الله به العرب، من نزول القرآن بلغتهم، وارسال خاتم الرسل إليهم، هو فضل الله يعطيه لمن يشاء من خلقه
[ والله ذو الفضل العظيم ] أي هو جل وعلا ذو الفضل الواسع، على جميع خلقه في الدنيا والآخرة.. ثم شرع تعالى في ذم اليهود الذي أكرمهم الله بالتوراة، فلم ينتفعوا بها ولم يطبقوها، وشبههم بالحمار الذي يحمل الأسفار، فقال سبحانه :
[ مثل الذين حملوا التوراة ] أي مثل اليهود الذين أعطوا التوراة، وكلفوا العمل بما فيها
[ ثم لم يحملوها ] أي ثم لم يعملوا بها، ولم ينتفعوا بهديها ونورها
[ كمثل الحمار يحمل أسفارا ] أي مثلهم كمثل الحمار، الذي يحمل الكتب النافعة الضخمة، ولا يناله منها إلا التعب والعناء، قال القرطبي : شبههم تعالى - والتوراة فى أيديهم وهم لا يعملون بها -بالحمار يحمل كتبا، وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة، فهو يتعب في حملها، ولا ينتفع بما فيها. ذم تعالى اليهود بأنهم قرءوا التوراة، وعلموا بما فيها، ولكنهم لم ينتفعوا بها، مما ينجيهم من شقاوة الدارين، وشبههم بالحمار الذي يحمل أسفار العلم والحكمة، ولا ينتفع بها، ووجه التشبيه حرمان الانتفاع، مع الكد والتعب
[ بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ] أي بئس هذا المثل الذي ضربناه لليهود، مثلا للقوم الذين كذبوا بآيات الله، الدالة على نبوة محمد (ص) (( أقول : هذه الآية الكريمة فيها تعريض بنا معشر المسلمين إن لم نطبق أحكام القرآن ونعمل بمقتضاه، وهي على حد قول المثل : إياك أعني واسمعي يا جارة )).
[ والله لا يهدي القوم الظالمين ] أي لا يوفق للخير، ولا يرشد للإيمان، من كان ظالما فاسقا، قال عطاء : هم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم للأنبياء.. ثم كذب تعالى اليهود في دعوى أنهم أحباب الله، فقال سبحانه :
[ قل يا أيها الذين هادوا ] اي قل يا محمد لهؤلاء الذين تهودوا وتمسكوا بملة اليهودية