[ إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ] أي إن كنتم أولياء الله وأحباءه حقا كما تدعون
[ فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ] أي فتمنوا من الله أن يميتكم، لتنقلوا سريعا إلى دار كرامته، المعدة لأوليائه، إن كنتم صادقين في هذه الدعوى، قال أبو السعود : كان اليهود يقولون :[ نحن أبناء الله وأحباؤه ] ويدعون أن الدار الآخرة لهم عند الله خالصة، ويقولون :[ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ] فأمر الله رسوله أن يقول لهم اظهارا لكذبهم : إن زعمتم ذلك فتمنوا الموت، لتنقلوا من دار البلاء، إلى دار الكرامة، فإن من أيقن بأنه من أهل الجنة، أحب أن يتخلص إليها من هذه الدار، التي هي مقر الأكدار، قال تعالى فاضحا لهم، ومبينا كذبهم
[ ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ] أي ولا يتمنون الموت بحال من الأحوال، بسبب ما أسلفوه من الكفر والمعاصي وتكذيب محمد (ص)، وفي الحديث :(والذي نفسي بيده، لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات ) قال الألوسي : لم يتمن أحد الموت منهم، لأنهم كانوا موقنين بصدقه (ص)، فعلموا أنهم لو تمنوه لماتوا من ساعتهم، وهذه إحدى المعجزات، وجاء فى سورة البقرة نفي هذا التمني بلفظ [ ولن ] وهو من باب التفنن على القول المشهور
[ والله عليم بالظالمين ] أي عالم بهم، وما صدر عنهم، من فنون الظلم والمعاصي، وإنما وضع الظاهر موضع الضمير " عليم بهم " ذما لهم، وتسجيلا عليهم بأنهم ظالمون
[ قل إن الموت الذي تفرون منه ] أي قل لهم يا محمد : إن هذا الموت الذي تهربون منه، وتخافون أن تتمنوه حتى بلسانكم
[ فإنه ملاقيكم ] أي فإنه آتيكم لا محالة، لا ينفعكم الفرار منه، كقوله تعالى :[ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ] لأنه قدر محتوم، ولا يغني حذر عن قدر
[ ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ] أي ثم ترجعون إلى الله الذي لا تخفى عليه خافية
[ فينبئكم بما كنتم تعملون ] أي فيجازيكم على أعمالكم، وفيه وعيد وتهديد.. ثم شرع تعالى في بيان أحكام الجمعة، فقال سبحانه :
[ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ] أي يا معشر المؤمنين المصدقين بالله ورسوله، إذا سمعتم المؤذن ينادي لصلاة الجمعة، ويؤذن لها
[ فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ] أي فامضوا إلى سماع خطبة الجمعة وأداء الصلاة، واتركوا البيع والشراء، اتركوا التجارة الخاسرة، واسعوا إلى التجارة الرابحة، قال في التسهيل : والسعي في الآية بمعنى المشي، لا بمعنى الجري لحديث :" إذا اقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة " (( أخرجه البخاري ومسلم وتتمة الحديث " فما أدركتم فصلوا، وما فاتاكم فأتموا " )) وقال الحسن : والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكنه سعى بالقلوب، والنية، والخشوع
[ ذلكم خير لكم ] أي ذلك السعي إلى مرضاة الله، وترك البيع والشراء، خير لكم وأنفع من تجارة الدنيا، فإن نفع الآخرة أجل وأبقى
[ إن كنتم تعلمون ] أي إن كنتم من أهل العلم القويم، والفهم السليم
[ فإذا قضيت الصلاة ] أي فإذا أديتم الصلاة وفرغتم منها
[ فانتشروا في الأرض ] أي فتفرقوا في الأرض وانبثوا فيها للتجارة، وقضاء مصالحكم
[ وابتغوا من فضل الله ] أي واطلبوا من فضل الله وإنعامه، فإن الرزق بيده جل وعلا، وهو المنعم المتفضل، الذي لا يضيع عمل العامل، ولا يخيب أمل السائل
[ واذكروا الله كثيرا ] أي واذكروا ربكم ذكرا كثيرا، باللسان والجنان، لا وقت الصلاة فحسب