[ قالوا نشهد إنك لرسول الله ] أي قالوا بألسنتهم نفاقا ورياء : نشهد بأنك يا محمد رسول الله، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، قال أبو السعود : أكدوا كلامهم بإن واللام [ إنك لرسول الله ] للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم، وخلوص اعتقادهم، ووفور رغبتهم ونشاطهم، وهي محض الكذب والزور
[ والله يعلم إنك لرسوله ] أي والله جل وعلا يعلم أنك يا محمد رسوله حقا، لأنه هو الذي أرسلك، والجملة اعتراضية جيء بها لدفع توهم تكذيبهم في دعوى رسالته (ص) لئلا يتوهم السامع أن القول [ إنك لرسول الله ] كذب في حد ذاته، قال في التسهيل : وقوله :[ والله يعلم إنك لرسوله ] ليس من كلام المنافقين، وإنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم يذكره لكان يوهم أن قوله :[ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ] إبطال للرسالة، فوسطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة ثم قال تعالى :
[ والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ] أي والله يشهد بكذب المنافقين، فيما أظهروه من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم، لأن من قال بلسانه شيئا، واعتقد خلافه فهو كاذب، والإظهار في موضع الإضمار [ إن المنافقين ] لذمهم وتسجيل هذه الصفة القبيحة عليهم، كما جاءت الصيغة مؤكدة بإن واللام زيادة في التقرير والبيان
[ اتخدوا أيمانهم جنة ] أي اتخذوا أيمانهم الفاجرة، وقاية وسترة يستترون بها من القتل، قال الضحاك : هي حلفهم بالله إنهم مسلمون
[ فصدوا عن سبيل الله ] أي فمنعوا الناس عن الجهاد، وعن الإيمان بمحمد (ص)، قال الطبري : أي أعرضوا عن دين الله الذي بعث به نبيه (ص)، وشريعته التى شرعها لخلقه وقال ابن كثير : إن المنافقين اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة، فاغتر بهم من لا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون، وهم في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبالا، فحصل بذلك ضرر كبير على كثير من الناس..
[ إنهم ساء ما كانوا يعملون ] أي قبح عملهم وصنيعهم، لأنهم يظهرون بمظهر الإيمان، وهم من أهل النفاق والعصيان، فبئست أعمالهم الخبيثة، من نفاقهم وأيمانهم الكاذبة، قال الصاوي : وساء كبئس في إرادة الذم، وفيها معنى التعجب وتعظيم أمرهم عند السامعين
[ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ] أي ذلك الحلف الكاذب، والصد عن سبيل الله، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، قال أبو السعود : أي نطقوا بكلمة الشهادة عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم المجرمين، وما فيه من الإشارة بالبعيد " ذلك " للإشعار ببعد منزلته في الشر
[ فطبع على قلوبهم ] أي ختم الله على قلوبهم فلا يصل إليها هدى ولا نور
[ فهم لا يفقهون ] أي فهم لا يعرفون الخير من الشر، ولا الكفر من الإيمان، ولا يفرقون بين الحسن والقبيح، لختم الله على قلوبهم
[ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ] أي وإذا رأيت هؤلاء المنافقين، أعجبتك هيئاتهم ومناظرهم، لحسنها ونضارتها وضخامتها
[ وإن يقولوا تسمع لقولهم ] أي وإن يتكلموا تصغ لكلامهم، لفصاحتهم وذلاقة لسانهم، قال ابن عباس : كان ابن سلول - رأس المنافقين - جسيما، فصيحا، ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي (ص) قوله، وكذلك كان أصحابه إذا حضروا مجلس النبي (ص) يعجب الناس بهياكلهم
[ كأنهم خشب مسندة ] أي يشبهون الأخشاب المسندة إلى الحائط، في كونهم صورا خالية عن العلم والنظر، فهم أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام، قال أبو حيان : شبهوا بالخشب لعزوب أفهامهم، وفراغ قلوبهم من الإيمان، والجملة التشبيهية وصف لهم بالجبن والخور، ولهذا قال :