[ يحسبون كل صيحة عليهم ] أي يظنون - لجبنهم وهلعهم - كل نداء وكل صوت، أنهم يرادون بذلك، فهم دائما في خوف ووجل، من أن يهتك الله أستارهم، ويكشف أسرارهم، قال ابن كثير : كلما وقع أمر أو خوف يعتقدون لجبنهم أنه نازل بهم قال مقاتل : إذا سمعوا نشدان ضالة، أو صياحا بأي وجه كان، طارت عقولهم، وظنوا ذلك إيقاعا بهم
[ هم العدو فاحذرهم ] أي هم الأعداء الكاملون في العداوة لك وللمؤمنين وإن أظهروا الإسلام، فاحذرهم ولا تأمنهم على سر، فإنهم عيون لأعدائك
[ قاتلهم الله ] جملة دعائية أي أخزاهم الله ولعنهم، وأبعدهم عن رحمته
[ أنى يؤفكون ] أي كيف يصرفون عن الهدى إلى الضلال ؟ وكيف تضل عقولهم مع وضوح الدلائل والبراهين ! ؟ وفيه تعجيب من جهلهم وضلالهم، وانصرافهم عن الإيمان، بعد قيام البرهان، روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال :(إن للمنافقين علامات يعرفون بها : تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، لا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار)
[ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ] أي وإذا قيل لهؤلاء المنافقين : هلموا إلى رسول الله حتى يطلب لكم المغفرة من الله
[ لووا رءوسهم ] أي حركوها وهزوها استهزاء واستكبارا
[ ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ] أي وتراهم يعرضون عما دعوا إليه، وهم متكبرون عن استغفار رسول الله (ص) لهم، وجيء بصيغة المضارع [ يصدون ] ليدل على استمرارهم على الإعراض والعناد قال المفسرون : لما نزلت الآيات تفضح المنافقين وتكشف الأستار عنهم، مشى إليهم أقرباؤهم من المؤمنين، وقالوا لهم : ويلكم لقد افتضحتم بالنفاق، وأهلكتم أنفسكم، فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه يستغفر لكم، فأبوا وحركوا رءوسهم سخرية واستهزاء، فنزلت الآية، ثم جاءوا إلى " ابن سلول " وقالوا له : امض إلى رسول الله (ص) واعترف بذنبك يستغفر لك، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأي، ثم قال لهم : لقد اشرتم على بالإيمان فآمنت، وأشرتم على بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق لكم إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد!! ثم بين تعالى عدم فائدة الاستغفار لهم، لأنهم مردوا على النفاق، فقال سبحانه :
[ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ] أي يتساوى الأمر بالنسبة لهم، فإنه لا ينفع استغفارك لهم شيئا، لفسقهم وخروجهم عن طاعة الله ورسوله، قال الصاوي : والآية للتيئيس من إيمانهم أي إن استغفارك يا محمد وعدمه سواء، فهم لا يؤمنون لسبق الشقاوة لهم
[ لن يغفر الله لهم ] أي لن يصفح الله عنهم لرسوخهم في الكفر، وإصرارهم على العصيان، ثم علله بقوله :
[ إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ] أي لا يوفق للإيمان، من كان فاسقا خارجا عن طاعة الرحمن.. ثم زاد تعالى في بيان قبائحهم وجرائمهم فقال :
[ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ] أي هم الفجرة الذين قالوا : لا تنفقوا على المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد، قال في البحر : والإشارة إلى (ابن سلول ) ومن وافقه من قومه، سفه أحلامهم في أنهم ظنوا أن رزق المهاجرين بأيديهم، وما علموا أن ذلك بيد الله تعالى، وقولهم :[ على من عند رسول الله ] هو على سبيل الهزء، إذ لو كانوا مقرين برسالته ما صدر منهم ما صدر، والظاهر أنهم لم ينطقوا بنفس ذلك اللفظ، ولكنه تعالى عبر به عن رسوله، إكراما له وإجلالا
[ ولله خزائن السموات والأرض ] أي والحقيفة أن الله تعالى، بيده مفاتيح الرزق، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا يملك أحد أن يمنع فضل الله عن عباده


الصفحة التالية
Icon